[ذكر المصطفين من عباد جبال الشام المجهولة الأسماء]
٨٨٦ - حميد بن جابر، الأمير الشامي
إبراهيم بن بشار قال: كنت يوماً ماراً مع إبراهيم بن أدهم في صحراء إذ أتينا على قبر مسنم فترحم عليه وبكى، فقلت: من هذا؟ فقال: هذا قبر حميد بن جابر أمير هذه المدن كلها، كان غرقاً في بحار الدنيا ثم أخرجه الله عز وجل منها فاستنقذه. لقد بلغني أنه سر ذات يوم بشيء من ملاهي ملكه ودنياه وغروره وفتنته. قال: ثم نام في مجلسه ذلك مع من يخصه من أهله. قال: فرأى رجلاً واقفاً على سريره وبيده كتاب فناوله ففتحه فإذا فيه كتاب بالذهب مكتوب: لا تؤثرن فانياً على باق، ولا تغترن بملكك وقدرتك وسلطانك وخدمك وعبيدك ولذاتك وشهواتك، فإن الذي أنت فيه جسيم لولا أنه عديم، وهو ملك لولا أن بعده هلك وهو فرح وسرور لولا أنه لهو وغرور، وهو يوم لو كان يوثق له بغد، فسارع إلى أمر الله عز وجل فإن الله قال:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران] . قال: فانتبه فزعاً وقال: هذا تنبيه من الله عز وجل وموعظة. فخرج من ملكه لا يعلم به، وقصد هذا الجبل فتعبد فيه. فلما بلغتني قصته وحدثت بأمره قصدته فسألته فحدثني ببدو أمره وحدثته ببدو أمري، فما زلت أقصده حتى مات ودفن ههنا. فهذا قبره رحمه الله.
٨٨٧ - عابد آخر
بشر بن الحارث قال: استقبلني رجل في طريق الشام وعليه عباءة قد عقدها مستوفزاً كأنه وحشي. فقلت له: رحمك الله من أين جئت؟ قال لي: جئت من عنده. فقلت: وإلى أين تذهب؟ فقال: غليه فقلت له: ففيم النجاة رحمك الله؟ قال: في التقوى والمراقبة لمن أنت له مبتغ، قلت: فأوصني. قال: لا أراك تقبل. قلت: أرجو أن أقبل إن شاء الله. قال: فر منهم ولا تأنس بهم واستوحش من الدنيا فإنها تعرضك للعطب. ثم قال: من عرف الدنيا لم يطمئن إليها ومن أبصر ضررها أعد لها دواءها، ومن عرف الآخرة ألح في طلبها، ومن توهمها اشتاق إلى ما فيها فهان عليه العمل.