أبو بكر المصري قال: خرجت من عينونة أريد الرملة. فبينا أنا أمشي إذا بفقير يمشي حافي القدمين حاسر الرأس، وعليه خرقتان متزر بإحداهما مرتد بالأخرى ليس معه زاد ولا ركوة فقلت في نفسي لو كان مع هذا ركوة وحبل، فإذا ورد الماء توضأ وصلى كان خيراً له.
فلحقت به وقد اشتدت الهاجرة فقلت له: يا فتى لو جعلت هذه الخراقة التي على كتفيك على رأسك تتوقى بها الشمس كان خيراً لك، فسكت ومشى، فلما كان بعد ساعة قلت له: أنت حاف، أي شيء ترى في نعل تلبسها ساعة وأنا ساعة؟ فقال: أراك كثير الفضول لم تكتب الحديث؟ قلت: بلى. قال: فلم تكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" فسكت ومشى. وعطشت وأنا على ساحل البحر فالتفت إلي فقال: أنت عطشان؟ فقلت: لا. فمشى ساعة وقد كظني العطش ثم التفت إلي فقال: أنت عطشان؟ فقلت: نعم، وما تقدر أن تعمل في مثل هذا الموضع؟ فأخذ الركوة مني ودخل البحر وعرف الماء وجاءني به، وقال: اشرب. فشربت ماء أعذب من ماء النيل وأصفى لوناً وفيه حشيش، فقلت في نفسي هذا ولي الله ولكني أدعه حتى إذا وافينا المنزل سألته الصحبة. فوقف وقال: أيما أحب إليك تمشي أو أمشي؟ فقلت: إن تقدم فاتني ولكن أتقدم أنا وأجلس في بعض المواضع، فإذا جاء سألته الصحبة. فقال: يا أبا بكر إن شئت تقدم واجلس وإن شئت تأخر فإنك لا تصحبني، ومضى وتركني، دخلت المنزل وكان لي به صديق وعندهم عليل فقلت لهم: رشوا عليه من هذا الماء. فرشوا عليه فبرأ وسألتهم عن الشخص فقالوا: ما رأيناه.
٨٤٨ - عابد آخر
عبد العزيز بن عمير قال: كان في خرابات القبائل بمصر رجل مجذوم وكان شاب من أهل مصر يختلف إليه ويتعاهده ويغسل خرقه ويخدمه. فتقرأ فتى من أهل مصر فقال للذي كان يخدمه: إنه بلغني أنه يعرف اسم الله الأعظم فأنا أحب أن أجيء معك إليه فأتاه فسلم عليه وقال: يا عم إنه بلغني أنك تعرف اسم الله الأعظم فلو سألته أن يكشف ما بك؟ فقال: يا بن أخي، هو الذي أبلاني فأنا أكره أن أراده.