حكيم من الحكماء قال: مررت بعريش من مصر وأنا أريد الرباط، فإذا أنا برجل في مظلة قد ذهبت عيناه ويداه ورجلاه، وبه أنواع البلاء وهو يقول: الحمد لله حمداً يوافي محامد خلقك بما أنعمت علي وفضلتني على كثير ممن خلقت تفضيلاً. فقلت: لأنظرن أشيء علمه أم ألهمه الله إلهاماً؟ فقلت: على أي نعمة من نعمه تحمده؟ أم على أي فضيلة تشكره؟ فوالله ما أرى شيئا من البلاء إلا وهو بك، فقال: ألا ترى ما قد صنع بي؟ فوالله لو أرسل السماء علي ناراً فأحرقتني، وأمر الجبال فدكدتني، وأمر البحار فغرقتني ما ازددت له إلا حمداً وشكراً وإن لي إليك حاجة: بنية لي كانت تخدمني وتتعاهدني عند إفطاري انظر هل تحس بها؟
وقال عبد الوهاب بني كان لي فقلت: والله إني لأرجو أن يكون لي في قضاء حاجة هذا العبد الصالح قربة إلى الله عز وجل. فخرجت أطلبها بين تلك الرمال فإذا السبع قد أكلها. فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، من أين آتي هذا العبد الصالح أخبره بموت ابنته؟ فأتيته فقلت له: أنت أعظم عند الله منزلة أم أيوب عليه السلام؟ ابتلاه الله في ماله وولده وأهله وبدنه حتى صار عرضاً للناس؟ فقال: لا بل أيوب. قلت: فإن ابنتك التي أمرتني أن أطلبها أصبتها وإذا السبع قد أكلها. فقال: الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا وفي قلبي منها شيء. فشهق شهقة فمات. فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، من يعينني على غسله ودفنه؟ فإذا أنا بركب يريدون الرباط، فأشرت إليهم فأقبلوا إلي فأخبرتهم بالذي كان من أمره فغسلناه وكفناه ودفناه في مظلته تلك، ومضى القوم. وبت ليلتي في مظلته آنساً به حتى إذا مضى من الليل قد ثلثه إذا أنا به في روضة خضراء، وإذا عليه حلتان خضراوان، وهو قائم يتلو القرآن. فقلت ألست صاحبي بالأمس؟ فقال: بلى. فقلت: فما صيرك إلى ما أرى؟ قال: وردت من الصابرين على درجة لم ينالوها إلا بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء.
٨٤٦ - عابد آخر
عمرو بن عثمان المكي قال: لقيت رجلاً بين قرى مصر يدور. فقلت: ما لي أراك لا تقر بمكان؟ قال: وكيف يقر مطلوب؟ فقلت له: أو ليس أنت في قبضته في كل مكان؟ قال: بلى، ولكن أخاف أن أستوطن الأوطان فيأخذني على غرة الاستيطان مع المغرورين.