عبد الملك بن هاشم قال: قلت لذي النون صف لنا من خيار من رأيت فذرفت عيناه وقال: ركبنا مرة البحر نريد جدة، معنا فتى من أبناء نيف وعشرين سنة قد ألبس ثوباً من الهيبة، فكنت أحب أكلمه فلم أستطع فبينا نراه مصلياً نراه قارئاً ونراه مسبحاً. إلى أن رقد ذات يوم ووقعت في المركب تهمة فجعل الناس يفتش بعضهم بعضاً إلى أن بلغوا إلى الفتى النائم. فقال صاحب الصرة: لم يكن أحد أقرب إلي من هذا الفتى النائم.
فلما سمعت ذلك قمت فأيقظته، فما كلمني حتى توضأ للصلاة وصلى أربع ركعات، ثم قال: يا فتى ما تشاء؟ فقلت: إن تهمة وقعت في المركب وإن الناس لم يزل يفتش بعضهم بعضاً حتى بلغوا إليك فالتفت إلي صاحب الصرة فقال: أكما يقول: فقال: نعم لم يكن أحد أقرب إلي منك، فرفع الفتى يديه يدعو وخفت على أهل المركب من دعائه فيخيل إلينا أن كل حوت في البحر، قد خرجت في فم كل حوت درة، فقام الفتى إلى جوهرة في في حوت فأخذها فألقاها إلى صاحب الصرة وقال: في هذه عوض مما ذهب منك وأنت في حل.
وقد رويت لنا هذه الحكاية على وجه آخر:
يوسف بن الحسين قال: لما استأنست بذي النون المصري قلت: أيها الشيخ ما كان بدو شأنك وما أنت فيه؟ قال: كنت شاباً صاحب لهو ولعب، ثم إني تبت وتركت ذلك كله وخرجت حاجاً إلى بيت الله الحرام ومعي بضيعة فركبت في المركب مع تجار من مصر، وركب معنا شاب صبيح كأنه يشرق وجهه. فلما توسطنا فقد صاحب المركب كيساً فيه مال، فأمر بحبس المركب وفتش من فيه وأتعبهم. فلما وصلوا إلى الشاب ليفتش، وثب وثبة من المركب حتى جلس على موج من أمواج البحر، وقام له الموج سرير على مثال وهو جالس عليه ننظر إليه من المركب. ثم قال: يا مولاي إن هؤلاء اتهموني وإني أقسم يا حبيب قلبي أن تأمر كل دابة في هذا المكان أن تخرج رؤوسها وفي أفواهها جوهر. قال ذو النون: فما تم كلامه حتى رأينا دواب البحر أمام المركب وحواليه قد أخرجت رؤوسها وفي فم كل واحدة منها جوهر مضيء يتلألأ ويلمع، ثم وثب الشاب من الموج إلى البحر وجعل يتبختر على متن الماء ويقول {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} حتى غاب عن عيني.