بنفسك فقصرت عن هذا البكاء شيئاً كان أقوى لك على ما تريدين. قال: فبكت ثم قالت: والله لوددت أني أبكي حتى تنفد دموعي، ثم أبكي الدماء حتى لا تبقى في جسدي جارحة فيها قطرة من دم، وأنى لي البكاء؟ قال: فلم تزل تردد ذلك حتى انقلبت حدقتاها، ثم مالت ساقطة مغشياً عليها. فقمنا فخرجنا وتركناها على تلك الحال.
روح بن سلمة قال: قال لي مضر: ما رأيت أحداً أقوى على كثرة البكاء من شعوانة، ولا سمعت صوتاً قط أحرق لقلوب الخائفين من صوتها إذا هي نشجت ثم نادت: يا موتى وبني الموتى وأخوة الموتى.
قال محمد: وقلت لأبي عمر الضرير: أتيت شعوانة؟ قال: قد شهدت مجلسها مراراً ما كنت أفهم ما تقول من كثرة بكائها. قلت: فهل تحفظ من كلامها شيئاً؟ قال: ما حفظت من كلامها شيئاً أذكره الساعة إلا شيئاً واحداً، قلت: وما هو؟ قال: سمعتها تقول: من استطاع منكم أن يبكي فليبك وإلا فليرحم الباكي فإن الباكي إنما يبكي لمعرفته بما أتى إلى نفسه.
عن الحارث بن المغيرة قال: كانت شعوانة تنوح بهذين البيتين:
يؤمل دنيا لتبقى له ... فوافى المنية قبل الأمل
حثيثاً يروَّي أصول الفسيل ... فعاش الفسيل ومات الرجل
الحسن بن يحيى قال: كانت شعوانة تردد هذا البيت فتبكي وتبكي النساك معها، تقول:
لقد أمن المغرور دار مقامه ... ويوشك يوماً أن يخاف كما أمن
عن فضيل بن عياض قال: قدمت شعوانة فأتيتها فشكوت إليها وسألتها أن تدعو بدعاء، فقالت: يا فضيل أما بينك وبين الله ما إن دعوته استجاب لك؟ قال: فشهق الفضيل وخر مغشياً عليه.
عن محمد بن عبد العزيز بن سلمان قال: كانت شعوانة قد كمدت حتى انقطعت عن الصلاة والعبادة فأتاها آت في منامها فقال:
أذري جفونك إما كنت شاجية ... إن النياحة قد تشفي الحزينينا
جدي وقومي وصومي الدهر دائبة ... فإنما الدوب من فعل المطيعينا
فأصبحت فأخذت في الترنم والبكاء وراجعت العمل.
إبراهيم بن عبد الملك قال: قدمت شعوانة وزوجها تمكة فجعلا يطوفان فإذا أكل أو أعيا