إبراهيم بن عبد الملك قال: قال شميط بن عجلان: إن الله عز وجل وسم الدنيا بالوحشة ليكون أنس المطيعين به.
عبيد الله بن شميط بن عجلان، عن أبيه أنه كان يقول في مواعظه: إذا أصبحت آمناً في سربك معافى في بدنك، عندك قوت يومك فعلى الدنيا العفاء وعلى من يحزن عليها، إن المؤمن يقول لنفسه: إنما هي ثلاثة أيام فقد مضى أمس بما فيه وغداً أمل لعلك لا تدركيه، إنما هو يومك هذا فإن كنت من أهل غد برزق غد إن دون غد يوماً وليلة تخترم فيه أنفس كثيرة فلعلك المخترم فيه.
كفى كل يوم همه ثم حملت على قلبك الضعيف هم السنين والدهور والأزمنة وهم الغلاء والرخص وهم الشتاء قبل أن تجيء وهم الصيف قبل أن يجيء، فماذا أبقيت من قلبك الضعيف للآخرة؟ ما تطلب الجنة بهذا، متى تهرب من النار؟ كل يوم ينقص من أجلك ثم لا تحزن.
أعطيت ما يكفيك وأنت تطلب ما يطغيك، لا بقليل تقنع ولا من كثير تشبع، فكيف لا يستبين للعالم جهله، وقد عجز عن شكر ما هو فيه، وهو مفتن في طلب الزيادة؟ أم كيف يعمل للآخرة من لا تنقضي من الدنيا شهوته ولا تنقطع عنها رغبته فالعجب كل العجب لمن صدق بدار الحيوان كيف يسعى لدار الغرور.
وكان يقول: إن أولياء الله آثروا رضا ربهم تعالى على هوى أنفسه، فأرغموا أنفسهم كثيراً في رضا ربهم فأفلحوا والله وأنجحوا، وإن المنافق عبد هواه وعبد بطنه وعبد فرجه وعبد جلده، عبد الدنيا وعبد أهل الدنيا.
وكان يقول: الناس رجلان، فمتزود من الدنيا ومتنعم فيها فانظر أي الرجلين أنت. إني أراك تحب طول البقاء في الدنيا فلأي شيء تحبه؟ أن تطيع الله عز وجل وتحسن عبادته وتتقرب إليه بالأعمال الصالحة؟ فطوبى لك، أم لتأكل وتشرب وتلهو تلعب وتجمع الدنيا وتثمرها وتنعم زوجتك وولدك؟ فلبئس ما أردت له البقاء.
وكان يقول إذا وصف المؤمنين: أتاهم عن الله تبارك وتعالى أمر وقذهم عن الباطل فأسهروا الأعين وأجاعوا البطون وأظمأوا الأكباد وأنفقوا الأموال واهتضموا التالد والطارف في طلب ما يقربهم إلى الله عز وجل وفي طلب النجاة مما خوفهم به.