للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وقالت له يوماً: ضيغم! قال: لبيك يا أماه. قالت: تحب الموت؟ قال: نعم يا أماه. قالت: ولم يا بني؟ قال: رجاء خير ما عند الله قال: فبكت العجوز وبكى فتسامع أهل الدار فجلسوا يبكون لبكائهم.

قال: وقالت له يوماً آخر: ضيغم! قال: لبيك يا أماه. قالت: تحب الموت؟ قال: لا أماه. قالت: لم يا بني؟ قال: لكثرة تفريطي وغفلتي عن نفسي، قال: فبكت العجوز وبكى ضيغم واجتمع أهل الدار وجعلوا يبكون، وكانت أمه عربية كأنها من أهل البادية.

مالك بن ضيغم قال: حدثني الحكم بن نوح قال: بكى أبوك ليلة من أول الليل إلى آخره لم يسجد فيها سجدة ولم يركع فيها ركعة ونحن معه في البحر، فلما أصبحنا قلنا: يا مالك لقد طالت ليلتك لا مصلياً ولا داعياً، قال: فبكى ثم قال: لو يعلم الخلائق ما يستقبلون غداً ما لذوا بعيش أبداً، والله إني لما رأيت الليل وهوله وشدة سواده ذكرت به الموقف وشدة الأمر هناك، وكل امرئ يومئذ تهمه نفسه: {لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً} قال: ثم شهق ولم يزل يضطرب ما شاء الله.

مالك بن ضيغم قال: حدثتني خالتي حبابة بنت ميمون العتكية قالت: رأيت أباك ضيغماً نزل ذات ليلة من فوق البيت بكوز وقد برد له حتى صبه ثم اكتاز من الحب ماء حاراً فشرب فقلت له بعد ذلك: بأبي أنت قد رأيت الذي صنعت فمم ذاك؟ قال: حانت مني مرة نظرة إلى امرأة فجعلت على نفسي أن لا تذوق الماء البارد أيام الدنيا. فقلت: أنغص عليها الحياة.

محمد بن مالك بن ضيغم قال: حدثني مولانا أيوب قال: قال لي أبو مالك يوماً: يا أبا أيوب احذر نفسك على نفسك فإني رأيت هموم المؤمنين في الدنيا لا تنقضي، وأيم الله لئن لم تأت الآخرة المؤمن بالسرور لقد اجتمع عليه الأمران: هم الدنيا وشقاء الآخرة. قال قلت: بأبي أنت وكيف لا تأتيه الآخرة بالسرور وهو ينصب لله في دار الدنيا ويدأب؟ قال: يا أبا أيوب فكيف بالقبول وكيف بالسلامة؟ ثم قال: كم من رجل يرى أنه قد أصلح شأنه، قد أصلح قربانه، قد أصلح همته، قد أصلح عمله، يجمع ذلك يوم القيامة ثم يضرب به وجهه.

يحبى بن بسطام قال: قلت لجار ضيغم: هل سمعت أبا مالك يذكر من الشعر شيئاً؟ قال: ما سمعته يذكر إلا بيتاً واحداً. قلت: ما هو؟ قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>