بكاء من حين يبتدئ عبد الواحد في الموعظة إلى أن يقوم لا يكاد يسكت عتبة. فقيل لعبد الواحد إنا لا نفهم كلامك من بكاء عتبة. قال: فأصنع ماذا؟ يبكي عتبة على نفسه وأنهاه أنا، لبئس واعظ قوم أنا.
سليم الحنيف قال: رمقت عتبة ذات ليلة بساحل البحر فما زاد ليلته تلك حتى أصبح على هذه الكلمات وهو قائم يقول: إن تعذبني فإني لك محب وإن ترحمني فإني لك محب، فلم يزل يرددها ويبكي حتى طلع الفجر.
أبو توبة قال: كان عتبة الغلام يأكل خبزاً وملحاً ويقول: العرس في الدار الأخرى.
عبد الله بن الفرج العابد قال: كان عتبة يعجن دقيقه ويجففه في الشمس ثم يأكله ويقول: كسرة وملح حتى نهنأ في الدار الأخرى الشواء والطعام الطيب.
سلمة الفراء قال: كان عتبة الغلام من نساك أهل البصرة وكان من أصحاب الفلق. وكان قد قوت لنفسه ستين فلقة يتعشى كل ليلة بفلقة ويتسحر بأخرى، وكان يصوم الدهر ويأتي السواحل والجبابين.
عن مخلد بن الحسين قال: كان عتبة يجالسنا فقال لنا يوماً: إنه لا يعجبني رجل لا يكون في يده حرفة. فقلنا: ما نراك تحترف. فقال: بلى رأس مالي طسوج أشتري به خوصاً أعمله وأبيعه بثلاثة طساسيج فطسوج رأس مالي وقيراط خبزي.
أبو عمر الضرير قال: سمعت رياحاً القيسي يقول: قال لي عتبة: يا رياح إن كنت كلما دعتني نفسي إلى الكلام تكلمت فبئس الناظر لها أنا. يا رياح إن لي موقفاً تغتبط فيه بطول الصمت عن الفضول.
مسلمة بن عرفجة العنبري قال: سمعت عنبسة الخواص يقول: كان عتبة الغلام يزورني فربما بات عندي. قال ذات ليلة فبكى من السحر بكاءاً شديداً فلما أصبح قلت له: قد فزعت قلبي الليلة ببكائك. فمم ذاك يا أخي؟ قال: يا عنبسة إني والله ذكرت يوم العرض على الله.
ثم مال ليسقط فاحتضنته فجعلت أنظر إلى عينيه تتقلبان قد اشتدت حمرتهما.
قال: ثم أزبد وجعل يخور فناديته: عتبة عتبة! فأجابني بصوت خفي: قطع ذكر يوم العرض على الله أوصال المحبين.
قال: ثم جعل يحشرج بالبكاء ويردد حشرجة الموت ويقول: تراك مولاي تعذب محبيك وأنت الحي الكريم؟ قال: فلم يزل يرددها حتى والله أبكاني.