عباد بن عباد، أبو عتبة الخواص، قال: رأيت شيخاً في مسجد بيت المقدس كأنه قد احترق بالنار، عليه مدرعة سوداء، وعمامة سوداء، طويل الصمت، كريه المنظر، كثير الشعر، شديد الكآبة. فقلت: رحمك الله لو غيرت لباسك هذا، فقد علمت ما في البياض. فبكى ثم قال: هذا أشبه بلباس أهل المصيبة، فإنما أنا وأنت في الدنيا في حداد، وكأني بي وبك قد دعينا. قال: فما تم كلامه حتى غشي عليه.
٧٧٨ - عابد آخر
أبو مدرك عثمان بن وكيع العبدي قال: جاء رجل إلى بيت المقدس فمد كساءه في ناحية المسجد فكان فيه الليل والنهار، طعيمه خلف ذلك الكساء الذي قد مده. قال: فيبيت ليله أجمع يصلي فإذا طلع الفجر مد بصوت له: عند الصباح يغبط القوم السرى. قال: وكان يقال له: ألا ترفق بنفسك؟ فيقول: إنما هي نفسي أبادرها أن تخرج.
٧٧٩ - عابد آخر
ذو النون قال: نظرت إلى رجل في بيت المقدس قد استفرغه الوله فقلت له: ما الذي أثار منك ما أرى؟ قال: ذهب الزهاد والعباد بصفو الإخلاص وبقيت في كدر الانتقاص، فهل من دليل مرشد أو من حكيم موقظ؟.
٧٨٠ - عابد آخر
سمنون قال: كنت ببيت المقدس في برد شديد، وعلي جبة وكساء، وأنا أجد البرد والثلج يسقط، فرأيت شاباً عليه خرقتان في الصحن يمشي، فقلت: يا حبيبي لو استترت ببعض هذه الأروقة فيكنك من البرد. فقال لي: يا أخي سمنون:
ويحسن ظني أنني في فنائه ... وهل أحد في كنه يجد البردا