جعفر بن محمد بن الحسين بن زيد بن مسلم الرامهرمزي قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبا معاوية الأسود يقول، وهو على سور طرسوس، من جوف الليل، يبكي ويقول: ألا من كانت الدنيا من أكبر همه طال في القيامة غداً همه. ومن خاف ما بين يديه ضاق في الدنيا ذرعه. ومن خاف الوعيد، لهي من الدنيا عما يريد، يا مسكين إن كنت تريد لنفسك الزيل، فأقلل نومك بالليل إلا القليل، أقبل من اللبيب الناصح، إذا أتاك بأمر واضح، لا تهتمن بأرزاق من تخلف، فلست أرزاقهم تكلف، وطن نفسك للمقال، إذا وقفت بين يدي رب العزة للسؤال، قدم صالح الأعمال، ودع عنك كثرة الأشغال، بادر ثم بادر، قبل نزول ما تحاذر، إذا بلغ روحك التراقي، وانقطع عنك من أحببت أن تلاقي، كأني بها وقد بلغت الحلقوم، وأنت في سكرات الموت مغموم، وقد انقطعت حاجتك إلى أهلك، وأنت تراهم حولك. وبقيت مرتهناً بعملك، الصبر ملاك الأمر، وفيه أعظم الأجر، فاجعل ذكر الله من جل شأنك، واملك فيما سوى ذلك لسانك. ثم بكى أبو معاوية بكاء شديداً. ثم قال: أوه من يوم يتغير فيه لوني، ويتلجلج فيه لساني، ويجف فيه ريقي، ويقل فيه زادي. فقيل له: يا أبا معاوية من قال هذا الكلام؟ فقال لحكيم.
أبو حمزة، نصير بن الفرج الأسلمي، وكان خادماً لأبي معاوية الأسود قال: كان أبو معاوية قد ذهب بصره، فكان إذا أراد أن يقرأ فتش المصحف وفتحه فيرد الله عليه بصره، وإذا أطبق المصحف ذهب بصره.
عن أبي الزاهرية قال: قدمت طرسوس، فدخلت على أبي معاوية الأسود وهو مكفوف البصر، وفي منزله مصحف معلق. فقلت: رحمك الله مصحف وأنت لا تبصر؟ قال: تكتم علي يا أخي حتى أموت؟ قال: قلت: نعم. قال: إني إذا أردت أن أقرأ القرآن فتح لي بصري.
عبد الرحمن بن عبد الله قال: استطال رجل على أبي معاوية الأسود فقال له رجل: مه. فقال أبو معاوية: دعه يشتفي. ثم قال: اللهم اغفر الذنب الذي سلطت علي به هذا.
أبو موسى المغازلي قال: كنت أسمع أبا معاوية الأسود إذا قام من الليل يستقي الماء، يقول: ما ضرهم ما أصابهم في الدنيا. جبر الله لهم كل مصيبة بالجنة.
يحيى بن المعين قال: رأيت معاوية السود وهو يلتقط الخرق من المزابل فيلفقها ويغسلها، فقيل له: يا أبا معاوية إنك تكسي. فقال: ما ضرهم ما أصابهم في الدنيا، جبر الله عز وجل لهم بالجنة كل مصيبة. قال أبو علي فرأيت يحيى يبكي.