محمد بن موسى الصائغ قال: سمعت منصور بن عمار يقول: تكلمت في جامع مصر يوماً فإذا رجلان قد وقفا على الحلقة فقالا: أجب الليث. فدخلت عليه فقال: أنت المتكلم في المسجد؟ قلت: نعم: قال رد علي الكلام الذي تكلمت به. فأخذت في ذلك المجلس بعينه. فرق وبكى حتى رحمته. ثم قال: ما اسمك؟ قلت: منصور، قال: ابن من؟ قلت: ابن عمار. قال: أنت أبو السري؟ قلت: نعم. قال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك. ثم قال: يا جارية. فجاءت فوقفت بين يديه فقال لها: جيئي بكيس كذا وكذا فجاءت بكيس فيه ألف دينار فقال: يا أبا السري خذ هذا إليك وصن هذا الكلام أن تقف به على أبواب السلاطين، ولا تمدحن أحداً من المخلوقين بعد مدحتك لرب العالمين، ولك علي في كل سنة مثلها. فقلت: رحمك الله إن الله قد أحسن إلي وأنعم. قال: لا ترد علي شيئاً أصلك به، فقبضتها وخرجت. قال: لا تبطئ علي، فلما كان في الجمعة الثانية أتيته فقال لي: اذكر شيئاً فتكلمت، فبكا وكثر بكاؤه فلما أردت أن أقوم قال: انظر ما في ثني هذه الوسادة وإذا خمسمائة دينار. فقلت: عهدي بصلتك بالأمس. قال: لا تردن علي شيئاً أصلك به. متى رأيتك؟ قلت: الجمعة الداخلة. قال: كأنك فتت عضواً من أعضائي. فلما كانت الجمعة الداخلة أتيته مودعاً فقال لي: خذ في شيء أذكرك به، فتكلمت، فبكا وكثر بكاؤه. ثم قال لي: يا منصور انظر ما في ثني الوسادة، إذا ثلثمائة دينار قد أعدها للحج. ثم قال: يا جارية هاتي ثياب إحرام منصور، فجاءت بإزار فيه أربعون ثوباً. قلت: رحمك الله أكتفي بثوبين. فقال لي: أنت رجل كريم ويصحبك قوم فأعطهم. وقال للجارية التي تحمل الثياب معه: وهذه الجارية لك.
سليم بن منصور قال: سمعت أبي يقول: دخلت على الليث بن سعد يوماً فإذا على رأسه خادم، فغمزه فخرج، ثم ضرب الليث بيده إلى مصلاة فاستخرج من تحته كيساً فيه ألف دينار، ثم رمى بها إلي. ثم قال: يا أبا السري لا تعلم ابني فتهون عليه.
الحسن بن عبد العزيز قال: قال لي الحارث بن مسكين اشترى قوم من الليث بن سعد ثمرة استغلوها فاستقالوه فأقالهم. ثم دعا بخريطة فيها أكياس فأمر لهم بخمسين ديناراً، فقال له الحارث ابنه في ذلك، فقال: اللهم غفراً إنهم كانوا قد أملوا فيها أملاً فأحببت أن أعوضهم عن أملهم بهذا.