للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا ذا الذي أنس الفؤاد بذكره ... أنت الذي ما إن سواه أريد

تفنى الليالي والزمان بأسره ... وهواك غض في الفؤاد جديد

قال ذو النون: فاتبعت الصوت فإذا أنا بفتى حسن الوجه حسن الصوت، وقد ذهبت تلك المحاسن وبقيت رسومها، نحيل قد اصفر واحترق وهو شبيه بالواله الحيران. فسلمت عليه فرد السلام وبقي شاخصاً يقول:

أعميت عيني عن الدنيا وزينتها ... فأنت والروح شيء غير مفترق

إذا ذكرتك وافى مقلتي أرق ... من أول الليل حتى مطلع الفلق

وما تطابقت الأجفان عن سنة ... إلا رأيتك بين الجفن والحدق

ثم قال: يا ذا النون ما لك وطلب المجانين؟ قلت: أومجنون أنت؟ قال: قد سميت به. فقلت: مسألة؟ فقال: سل، قلت: أخبرني ما الذي حبب إليك الانفراد وقطعك عن المؤانسين وهيمك في الأودية؟ قال: حبي له هيمني، وشوقي إليه هيجني، ووجدي به أفردني. ثم قال: يا ليت شعري يا فتى إلى متى تتركني مقلقلاً في محبتي؟ فقلت: أخبرني أين محل الحب منك؟ وأين مسكن الشوق فيك؟ فقال: مسكن الحب سواد الفؤاد. قلت: فما الذي تجد في خلوتك؟ قال: الحق سبحانه. قلت: كيف تجده؟ قال: بحيث لا حيث. ثم قال: يا ذا النون أعجبك كلام المجانين؟ قلت: إي والله وأشجاني، ثم قلت له: ما صدق وجدانك للحق تعالى؟ فصرخ صرخة ارتج لها الجبل. ثم قال: يا ذا النون هكذا موت الصادقين. ثم سقط إلى الأرض ميتاً فتحيرت في أمره، لا أدري ما أصنع به، وإذا به قد غاب عني فلا أدري أين ذهب.

<<  <  ج: ص:  >  >>