موحش لعلي أجد قلبي ساعة يسلو عن الدنيا وأهلها. فقلت: وما جنت عليك الدنيا حتى استحقت هذا البغض منك؟ فقال: جناياتها العمى عن جناياتها. فقلت: هل من دواء أتعالج به من هذا العمى الذي قد حجب عني ما يراد بي؟ قال: ما أراك تقدر على العلاج فاستعمل من الدواء أيسره. قلت: صف لي دواء لطيفاً. قال: فما داؤك؟ قلت: حب الدنيا. فتبسم وقال: أي قرحة أعظم من هذه؟ ولكن اشرب السموم الطرية والمكاره الصعبة. قلت: ثم ماذا؟ قال: مر الصبر الذي لا جزع فيه والتعب الذي لا راحة فيه، قلت: ثم ماذا؟ قال السلو عما تريد والصبر عما تحب، فإن أردت فاستعمل هذا وإلا فتأخر واحذر الفتن كأنها قطع الليل المظلم. قلت: فدلني على عمل يقرب إلى الله عز وجل. فقال: يا أخي قد نظرت في جميع العبادات فلم أر أنفع من الفرار من الناس وترك مخالطتهم، يا أخي رأيت القلوب عشرة أجزاء، فتسعة مع الناس وجزء مع الدنيا. فمن قوي على الانفراد حاز تسعة أجزاء من القلب. ثم غاب عني فلم أره.