للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأي شيء المحبة؟ قالت: سبحان الله أنت الحكيم الواعظ وتسألني؟ أول المحبة يبعث على الكد الدائم، حتى إذا وصلت أرواحهم إلى أعلى الصفا جرعهم من محبته لذيذ الكؤوس، ثم صرخت وخرت مغشياً عليها فأفاقت وهي تقول:

أحبك حبين حب الرضا ... وحب لأنك أهل لذاكا

فأما الذي هو حب الرضا ... فذكر شغلت به عن سواكا

وأما الذي أنت أهل له ... فكشفك للحجب حتى أراكا

فما الحمد في ذا ولا ذاك لي ... ولكن لك الحمد في ذا وذاكا

٩٩٤ - عابدة أخرى

ذو النون المصري قال: بينا أنا أسير في جبال أنطاكية فإذا أنا بجارية كأنها مجنونة وعليها جبة من صوف، فسلمت عليها فردت علي السلام، ثم قالت: ألست ذا النون المصري؟ قلت: عافاك الله كيف عرفتني؟ فقالت: عرفتك بمعرفة حب الحبيب، ثم قالت: أسألك عن مسألة، قلت: سلي، فقالت: أي شيء السخاء؟ قلت: البذل والعطاء. قالت: هذا سخاء في الدنيا فما السخاء في الدين؟ قلت: المسارعة إلى طاعة الله تعالى. قالت: فإذا سارعت إلى طاعة الله فهو أن يطلع على قلبك وأنت لا تريد منه شيئاً، ويحك يا ذا النون إني أريد أن أطلب منه شهوة منذ عشرين سنة، فأستحيي منه مخافة أن أكون كأجير السوء، إذا عمل طلب الأجر، ولكن اعمل تعظيماً لهيبته وعز جلاله ومرت وتركتني.

٩٩٥ - عابدة أخرى

ذو النون المصري قال بينما أنا أسير في تيه بني إسرائيل إذا أنا بجارية سوداء قد استلبها الوله من حب الرحمن، شاخصة ببصرها نحو السماء. فقلت: السلام عليك يا أختاه فقالت: وعليك السلام يا ذا النون. فقلت لها: من أين عرفتني يا جارية؟ فقالت: يا بطال إن الله عز وجل خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ثم أدارها حول العرش، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، فعرفت روحي روحك في ذلك الجولان. قلت: إني لأراك حكيمة، علميني شيئاً مما علمك الله عز وجل، فقالت: يا أبا الفيض ضع على جوارحك ميزان القسط حتى يذوب كل ما كان لغير الله، ويبقى القلب مصفى ليس فيه غير الرب عز وجل، فبعد ذلك يقيمك لي الباب ويوليك ولاية جديدة ويأمر الخزان لك بالطاعة. فقلت: يا أختاه زيديني، فقالت: يا أبا الفيض خذ من نفسك لنفسك وأطع الله عز وجل إذا خلوت يجيبك إذا دعوت.

<<  <  ج: ص:  >  >>