فجلست على باب المسجد حتى فرغ من دعائه ثم قام فأذن وفتح باب المسجد فدخلت فلم أجد في المسجد أحداً، فلما أصبح وتفرق من عنده قلت له: يا أبا سعيد إني والله رأيت عجباً، قال: وما رأيت؟ فأخبرته بالذي رأيت وسمعت. فقال: أولئك جن من أهل نصيبين يجيئون يشهدون معي ختم القرآن كل ليلة جمعة ثم ينصرفون.
محمد بن عبد العزيز بن سلمان العابد قال: كان أبي إذا قام من الليل يتهجد سمعت في الدار جلبة شديدة واستسقاء للماء كثيراً. قال: فنرى أن الجن كانوا يتيقظون لتهجده فيصلون معه.
سري السقطي قال: بدوت يوماً من الأيام وأنا حدث فطاب وقتي وجن علي الليل وأنا بفناء جبل لا أنيس به فناداني مناد من جوف الجبل: لا تدور القلوب في الغيوب حتى تذوب النفوس من مخافة فوت المحبوب. قال: فتعجبت وقلت جني يناديني أم إنسي؟ قال: بل جني مؤمن بالله عز وجل ومعي إخواني، قال: قلت فهل عندهم ما عندك؟ قال: نعم وزيادة. قال: فناداني الثاني منهم: لا تذهب من البدن الفترة إلا بدوام الغربة، قال: فقلت في نفسي: ما أبلغ كلامهم. فناداني الثالث منهم: من أنس به في الظلام لا يبقى له اهتمام. قال: فصعقت، فما أفقت إلا برائحة الطيب فإذا أترجة على صدري فشممتها فأفقت فقلت: وصية يرحمكم الله جميعاً؟ فقالوا جميعاً أبى الله أن تحيا به إلا قلوب المتقين، فمن طمع في غير ذلك فقد طمع في غير مطمع، ومن تبع طبيباً مريضاً دامت علته، وودعوني ومضوا وقد أتى علي حين ولا أزال أرى بركة كلامهم موجودة في خاطري.
وبلغني عن أبي الفتح محمد بن محمد الخزيمي قال: قال أبو علي الدقاق: كنت بنيسابور مقيماً للوعظ فظهر بي رمد فاشتقت إلى أولادي فرأيت ليلة من الليالي في المنام كأن شخصاً دخل علي فقال: أيها الشيخ ما يمكنك الرجوع بهذه السرعة فإن جماعة من شباب الجن يحضرون مجلسك ويستمعون منك، وهم بعد في بدو الإرادة فما لم ينتهوا إلى إرادتهم لا يمكنك أن تفارقهم فلعل الله عز وجل أن يحييهم فأصبحت وكأنه ما بعيني رمد.
١٠٣١ - ومن متعبدات الجن
صالح بن عبد الكريم قال: كنت أحب أن ألقى شيئاً من الجن فأكلمه، فرأيت امرأة فتعلقت بها فقلت: عظيني. قالت: اكتب: تقول غزالة: اشتغل بأولى الأمور بك ولا تغفل عن ساعة إن فاتتك لم تدركها.