قالت وعليه درع قد خرجت منه أطرافه فأنا أتخوف على أطراف سعد، وكان سعد من أطول الناس وأعظمهم. قالت: فقمت فاقتحمت حديقة فإذا فيها نفر من المسلمين وفيهم عمر بن الخطاب وفيهم رجل عليه تسبغة له، تعني المغفَر، قالت: فقال لي عمر: ما جاء بك؟ والله إنك لجريئة، وما يؤمنك أن يكون تحوز أو بلاء؟ قالت: فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت ساعتئذ فدخلتُ فيها.
قالت: فرفع الرجل التسبغة عن وجهه فإذا طلحة بن عبيد الله قالت: فقال: ويحك يا عمر إنك قد أكثرت منذ اليوم، وأين التحوز والفرار إلا إلى الله١.
قالت: ويرمي سعداً رجل من المشركين يقال له ابن العرقة بسهم، فقال: خذها وأنا ابن العرقة فأصاب أكحله. فدعا الله سعدٌ فقال: اللهم لا تمتني حتى تشفيني من قريظة وكانوا مواليه وحلفاءه في الجاهلية.
قال: فرقأ كلمه، وبعث الله الريح على المشركين، {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً}[الأحزاب: ٢٥] .
فلحق أبو سفيان ومن معه بتهامة، ولحق عيبنة ومن معه بنجد ورجعت بنو قريظة فتحصنوا في صياصيهم، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأمر بقبة من أدم فضُربت على سعد بن معاذ في المسجد. قال: فجاءه جبريل وعلى ثناياه النقع فقال: أوقد وضعتم السلاح؟ فوالله ما وضعت الملائكة السلاح بعد، أخرج إلى بني قريظة فقاتلهم. قالت: فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وأذن في الناس بالرحيل.
قالت: فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم خمساً وعشرين ليلة فلما اشتد حصرهم واشتد البلاء عليهم قيل لهم: أنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاستشاروا أبا لبابة بن عبد المنذر فأشار إليهم أنه الذبح فقالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ فحمل على حمالو على آكاف من ليف، فحف به قومه فجعلوا يقولون: يا أبا عمرو، حلفاؤك ومواليك ومن قد علمت. ولا يرجع إليهم شيئاً حتى إذا دنا من دورهم التفت إلى قومه فقال: قد آن لي أن لا أبالي في الله لومة لائم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أُحكم فيهم" قال: فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبي ذراريهم، وتقسم أموالهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لقد حكمت فيهم بحكم الله وبحكم رسوله".