وعن محمد بن سيرين قال: أتى رجل معاذ بن جبل ومعه أصحابه يسلمون عليه ويودعونه، فقال. إني موصيك بأمرين أن حفظّهما حفظت، إنه لا غنى بك عن نصيبك من الدنيا وأنت إلى نصيبك من الآخرة أفقر، فآثر من الآخرة على نصيبك من الدنيا حتى ينتظمه لك انتظاماً فتزول به معك أينما زلت.
وعن الأسود بن هلال قال: كنا نمشي مع معاذ فقال: اجلسوا بنا نُؤمِنُ ساعةً.
وعن أشعث بن سليم قال: سمعت رجاء بن حيوة، عن معاذ بن جبل قال: ابتليتم بفتنة الضراء فصبرتم، وستبتلون بفتنة السراء، وأخوف ما أخاف عليكم فتنة النساء إذا تسورن الذهب، ولبسن رياط الشام وعصب اليمن فأتعبن الغنى وكلفن الفقير مالا يجد.
ذكر مرضه ووفاته:
عن طارق بن عبد الرحمن قال: وقع الطاعون بالشام فاستغرقها فقال الناس: ما هذا إلا الطوفان إلا أنه ليس بماء فبلغ معاذ بن جبل فقام خطيباً فقال: إنه قد بلغني ما تقولون، وإنما هذه رحمة ربكم ودعوة نبيكم وكموت الصالحين قبلكم، ولكن خافوا ما هو أشد من ذلك، أن يغدو الرجل منكم من منزله لا يدري أمؤمنٌ هو أو منافق وخافوا إمارة الصبيان.
وعن شهر بن حوشب، عن رابّه رجل من قومه، كان شهد طاعون عمواس قال: لما اشتعل الوجع قام أبو عبيدة بن الجراح في الناس خطيباً فقال: أيها الناس إن هذا الوجع رحمة ربكم ودعوةُ نبيكم وموتُ الصالحين قبلكم وإن أبا عبيدة يسأل الله أن يقسم له منه حظه.
قال: وطُعن فمات رحمة الله عليه واستخلف على الناس معاذ بن جبل فقام خطيباً بعده فقال: أيها الناس إن هذا الوجع رحمةُ ربكم ودعوةُ نبيكم وموتُ الصالحين قبلكم، وإن معاذاً يسأل الله أن أن يقسم لآل معاذ منه حظه.
قال: فطعن ابنه عبد الرحمن. قال ثم قام فدعا ربه لنفسه فطعن في راحته فلقد رأيته ينظر إليها ثم يقبل ظهر كفه ثم يقول: ما أحب أن لي بما فيك شيئاً من الدنيا. فلما مات استخلف على الناس عمرو ابن العاص.
وعن عبد الله بن رافع قال: لما أصيب أبو عبيدة في طاعون عمواس استخلف على الناس معاذ بن جبل. واشتد الوجع فقال الناس لمعاذ: ادع الله أن يرفع عنا هذا الرجز. فقال: إنه ليس برجز ولكنه دعوة نبيكم وموتُ الصالحين قبلكم، وشهادةٌ يختص الله بها من يشاء من عباده منكم، أيها الناس، أربع خلال من استطاع منكم أن لا يدركه شيء منها فلا يدركه شيء