قال أبو عامر فأسقط في يدي وقلت ماذا جنيت على نفسي إذ خرجت علي جارية عليها مدرعة من صوف وخمار من صوف قد ذهب السجود بجبهتها وانفها واصفر لطول القيام لونها وتورمت قدماها فقالت أحسنت والله يا حادي قلوب العارفين ومثير أشجان غليل المحزونين لا نسي لا هذا المقام رب العالمين يا أبا عامر هذا الشيخ والدي مبتلى بالسقم منذ عشر سنين صلى حتى اقعد وبكى حتى عممت وكان يتمناك على الله ويقول حضرت مجلس أبي عامر البناني فأحيا موات فكري وطرد وسن نومي وان سمعته ثانيا قتلني فجزاك الله من واعظ ومتعك من حكمتك بما أعطاك.
ثم اكتب على أبيها تقبل عينيه وتبكي وتقول يا أبي أبتاه يا من أعماه البكاء على ذنبه يا أبي يا أبتاه يا من قتله ذكر وعيد ربه ثم علا البكاء والنحيب والاستغفار والدعاء وجعلت تقول يا أبي يا أبتاه يا حليف الحرقة والبكاء يا أبي يا أبتاه يا جليس الابتهال والدعاء يا أبي يا أبتاه يا صريع المذكرين والخطباء يا أبي يا أبتاه يا قتيل الوعاظ والحكماء.
قال أبو عامر فأجبتها وقلت أيها الباكية الحيرى النادبة الثكلى إن أباك نحبه قد قضى وورد دار الجزاء وعاين كل ما عمل وعليه يحصى في كتاب عند ربي لا يضل ربي ولا ينسى فمحسن فله الزلفى أو مسيء فوارد دار من أساء.
فصاحت الجارية كصيحة أبيها وجعلت ترشح عرقا وخرجت مبادرا إلى مسجد المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم وفزعت إلى الصلاة والدعاء والاستغفار والتضرع والبكاء حتى كان عند العصر فجاءني الغلام الأسود فآذنني بجنازتهما فقلت احضر الصلاة عليهما ودفنهم فحضرت وسالت عنهما فقيل لي من ولد الحسين بن علي بن أبي طالب.
قال أبو عامر فما زلت جزعا مما حنيت حتى رايتهما في المنام عليهما حلتان خضراوان فقلت مرحبا بكما وأهلا فما زلت حذار مما وعظتكما به فماذا صنع الله بكما فقال الشيخ: