بعد ما ينام الناس، فقالت إحداهما ذات ليلة: يا أمتاه، ما فعلت القائمة التي كنت أراها في سطح فلان؟ فقالت: يا بنية لم تكن تلك قائمة إنما كان منصور يحيي الليل كله في ركعة لا يسجد فيها ولا يركع.
قال أبو الأحوص: إن منصور بن المعتمر كان إذا جاء الليل اتزر وارتدى إن كان صيفاً، وإن كان شتاء التحف فوق ثيابه ثم قام إلى محرابه كأنه خشبة منصوبة حتى يصبح.
زائدة بن قدامة قال: كان منصور بن المعتمر إذا رأيته قلت: رجل قد أصيب بمصيبة منكس الطرف، منخفض الصوت، رطب العينين، إن حركته جاءت عيناه بأربع. ولقد قالت له أمه يوماً: ما هذا الذي تصنع بنفسك؟ تبكي الليل عامته لا تكاد تسكت. لعلك يا بني أصبت نفساً لعلك قتلت قتيلاً. قال: فيقول: يا أماه أنا أعلم ما صنعت بنفسي.
عن سفيان قال: كانوا يقولون في ذلك الزمان: إن أطول أهل الكوفة تهجداً طلحة وزبيد وعبد الجبار بن وائل، قال الحميدي: فقلت: فمنصور؟ قال: نعم إنما كان الليل عنده مطية من المطايا متى شئت أصبته قد ارتحله.
سفيان بن عيينة، وذكر منصور بن المعتمر، فقال: قد كان عمش من البكاء.
عن الثوري قال: لو رأيت منصوراً يصلي لقلت يموت الساعة.
خلف بن تميم قال: سمعت أبي تميم بن مالك يقول: كان منصور بن المعتمر إذا صلى الغداة أظهر النشاط لأصحابه فيحدثهم ويكثر إليهم، ولعله إنما بات قائماً على أطرافه، كل ذلك ليخفي عليهم العمل.
عن أبي عمار قال: سمعت عطاء بن جبلة يقول: سألوا أم منصور بن المعتمر عن عمله، فقالت: كان ثلث الليل يقرأ، وثلثه يبكي وثلثه يدعو.
جرير قال: صام منصور وقام فكان يأكل فيرى الطعام في مجراه.
ابن عيينة قال: رأيت منصور بن المعتمر في المنام فقلت: ما فعل الله بك قال: كدت ألقى بعمل نبي.
قال سفيان: إن منصوراً أقام ستين سنة. يقوم ليلها ويصوم نهارها.
قال المؤلف: أدرك منصور بن المعتمر أنس بن مالك، وروى عنه، ورأى ابن أبي أوفى، وروى عن جماعة من التابعين، كالأعمش، وسليمان التيمي، وأيوب السختياني. وتوفي في سنة اثنتين وثلاثين ومائة.