حماد بن المؤمل قال: حدثني شيخ على باب بعض المحدثين قال: سألت وكيعاً عن مقدمه هو ابن إدريس وحفص على هارون الرشيد فقال: كان أول من دعا به أنا. فقال لي هارون: يا وكيع إن أهل بلدك طلبوا مني قاضياً وسموك لي فيمن سموا، وقد رأيت أن أشركك في أمانتي فقلت: يا أمير المؤمنين أنا شيخ كبير وإحدى عيني ذاهبة والأخرى ضعيفة. فقال هارون: اللهم غفراً. خذ عهدك أيها الرجل وامض. فقلت: يا أمير المؤمنين، والله لئن كنت صادقاً إنه لينبغي أن يقبل مني، ولئن كنت كاذباً فما ينبغي أن تولي القضاء كذاباً. فقال: اخرج. فخرجت.
ودخل ابن إدريس فسمعنا وقع ركبتيه على الأرض حين برك، وما سمعناه يسلم إلا سلاماً خفياً. فقال له هارون: أتدري لم دعوتك؟ قال: لا. قال: إن أهل بلدك طلبوا مني قاضياً، وإنهم سموك لي فيمن سموا. وقد رأيت أن أشركك في أمانتي وأدخلك في صالح ما أدخل فيه من أمر هذه الأمة، فخذ عهدك وامض، فقال له ابن إدريس: وأنا وددت أني لم أكن رأيتك فخرج.
ثم دخل حفص فقبل عهده، فأتى خادم معه ثلاثة أكياس في كل كيس خمسة آلاف فقال لي: إن أمير المؤمنين يقرئك السلام ويقول لكم: قد لزمتكم في شخوصكم مؤونة فاستعينوا بهذه في سفركم.
قال وكيع: فقلت له أقرئ أمير المؤمنين السلام وقل له: قد وقعت مني بحيث يحب أمير المؤمنين وأنا مستغن عنها. وأما ابن إدريس فصاح به: مر من ها هنا. وقبلها حفص، وخرجت الرقعة إلى ابن إدريس من بيننا: عافانا الله وإياك، سألناك أن تدخل في أعمالنا فلم تفعل، ووصلناك من أموالنا لم تقبل، فإذا جاءك ابني المأمون فحدثه إن شاء الله. فقال للرسول: إذا جاءنا مع الجماعة حدثناه إن شاء الله.
ثم مضينا فلما صرنا إلى الياسرية التفت ابن إدريس إلى حفص فقال: قد علمت أنك ستبلى، والله لا أكلمك حتى تموت فما كلمه حتى مات.
أبو بكر المروزي قال: سمعت علي بن شعيب يقول: لما قدم شعيب بن حرب على يوسف بن أسباط رأى عنده شاباً يكلم يوسف ويغلظ له، أو قال: رفع صوته، فقال له شعيب: ترفع صوتك؟ فقال له يوسف: يا أبا صالح إنه ابن إدريس، إنه يدري من أين يأكل؟.