((ولن تحصوا)) يعني لن تطيقوا أن تعملوا بجميع ما أمرتم به ((لن تحصوا)) لكن سددوا وقاربوا، قد يقول قائل: ما دمنا لن نحصي، ولن نطيق كيف نعمل؟ جاء الأمر بعد ذلك بقوله:((واعملوا)) لا تيأسوا، أنتم لن تحصوا، لكن لا تيأسوا، والإحصاء كما يفهم منه عدم الإطاقة أيضاً أن الإحصاء بدقة غير ممكن، يعني المحاسبة والمراقبة أمر مطلوب {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [(١٨) سورة الحشر] يقول عمر -رضي الله عنه-: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا" فعلى الإنسان أن يحاسب نفسه، ويراقب، ويديم النظر في عمله، ويصحح خطأه، لكن مع ذلكم قد يراقب نعم من اتقى الله -جل وعلا- حسب استطاعته وقدرته لن يخيب الله رجاءه، لكن قد تكون عند الإنسان دسيسة في قلبه تقوم {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [(٤٧) سورة الزمر] الإنسان جالس في المسجد يقرأ القران، وعنده أنه مع السفرة الكرام البررة، وفي قلبه شيء يمنع من ترتب الآثار، شخص يعلم الناس وعنده أنه تصلي عليه كل شيء، ويدعو له ... إلى آخره، وفي النهاية يتمنى السلامة كفاف، لا له ولا عليه؛ لأن هذا العلم أمره وشأنه خطير، يعني من علوم الآخرة المحضة، لا يجوز فيه التشريك، وأول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة، ومنهم العالم نسأل الله العافية، فلن تحصوا، الإنسان يظن يعني المسألة .. ، أمور الدنيا يمكن إحصاؤها، تحسب الأرباح والخسائر وعندك آلات وعندك من يساعدك على هذا، لكن أمور الآخرة، ولذا هذا الأمر مقلق بالنسبة للمخلصين الصادقين. ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) يعني هل السلف قالوا هذا حديث مطلق، يقيد بالحديث الآخر، فيما يبدو للناس، ويظهر للناس، وعملنا صحيح، وناس مخلصين، وموافق لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا، الخوف يساورهم، وجاء الخبر عنهم أنهم جمعوا بين إتقان العمل وإحسانه الخوف والوجل، بخلاف من جاء بعدهم ممن يغلب عليه إساءة العمل مع الأمن.