أما الذي أرسله الصحابي ... فحكمه الوصل على الصوابِ
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج لعشر خلون من رمضان، سنة ثمان عام الفتح خرج إلى مكة في رمضان لعشر خلون منه فصام حتى بلغ الكديد، قال البخاري بعد رواية الحديث: قال أبو عبد الله: الكديد ماء بين عُسْفان وقديد، جاء في رواية صحيحة: حتى إذا بلغ عسفان، وفي مسلم فلما بلغ كراع الغميم، وهي قصة واحدة، فالذي عندنا الكديد، وجاء في رواية صحيحة عسفان، وجاء في أخرى وهي صحيحة أيضاً كراع الغميم.
يقول القاضي عياض: "اختلفت الروايات في الموضع الذي أفطر فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-، والكل في قصة واحدة، وكلها متقاربة، المواضع الثلاثة: الكديد، كراع الغميم، وعسفان، كلها متقاربة، والجميع من عمل عسفان، يعني كلها تابعة لعسفان، فمن قال: أفطر بعسفان نظر إلى المعنى الأعم الأشمل، الموضع الأعم الأشمل، ومن ذكر الكديد، أو كراع الغميم فلتقاربهما، ولعل بعضهم أفطر في الكديد، وبعضهم أفطر في كراع الغميم، وبعضهم استمر إلى أن وصل الثاني، المقصود أنها متقاربة فلا اختلاف.
فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر، أفطر النبي -عليه الصلاة والسلام- لأنه بلغه أن بعض الناس شق عليه الصيام، فأفطر -عليه الصلاة والسلام- دفعاً للحرج والمشقة على أصحابه؛ لأنه لو لم يفطر لن يفطر من معه، ولو شق عليهم الصيام؛ لأنهم لا يسهل عليهم مخالفة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو مع المشقة، لما عرف من حرصهم على الخير، وعدم تساهلهم في أمور دينهم.
فأفطر فأفطر الناس، منهم من استمر على صيامه مع وجود المشقة، ومع رؤيته للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو يفطر وهو يشرب، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أخبر عنهم قال:((أولئك العصاة)) لأن الدين دين رحمة {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(٧٨) سورة الحج]، وهذه رخصة من الله -جل وعلا-، فعلى المسلم أن يقبل هذه الرخصة، لا سيما إذا شقت عليه العزيمة.