يقول الزهري: وكانوا -يعني الصحابة- يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ظاهر السياق يدل على أن الزهري يرى أن الصيام في السفر منسوخ؛ لكنه لم يوافق على ذلك، والقاعدة صحيحة يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند التعارض، وعدم إمكان الجمع، فيأخذون بالأحدث فيعدونه ناسخاً لما قبله عند التعارض وعدم إمكان الجمع، أما إذا أمكن الجمع بالقول الذي أسلفناه فإنه لا يلجئ إلى النسخ؛ لأنه إبطال كلي للحكم، رفع كلي للحكم، نعم قد يحمل على حالة خاصة، فالتخصيص رفع جزئي، وهو أخف من القول بالنسخ.
يقول القاضي عياض:"إنما يكون ناسخاً إذا لم يمكن الجمع، والجمع ممكن، بأن يحمل الفطر على من يشق عليه الصيام، والصيام على من لم يشق عليه" يعني كما قدمنا، وفي الحديث رد على من يرى أنه من استهل عليه الشهر في الحضر ثم سافر بعد ذلك رد على من يقول أن من استهل عليه الشهر وشهد أول الشهر في الحضر أنه ليس له أن يفطر لقوله -جل وعلا-: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(١٨٥) سورة البقرة]، وهذا شهد الشهر، شهد أول الشهر فيلزمه أن يصوم بقية الشهر؛ لكن الحديث نص في الموضع، وهو مبين لما أجمل في الآية.
يقول: وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن مولاه أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مبهم، وإبهام الصحابي لا يضر؛ لأن الصحابة كلهم عدول، فلا يضر إبهام الصحابي، البيهقي في مواضع وصف ما جاء على هذا النحو مما أبهم فيه الصحابي وصفه بالإرسال، قال:"هذا حديث مرسل" على كل حال هو ليس بمرسل متصل، فيه راو لم يسم، ما سمي هذا الراوي وجهالته لا تضر؛ لأنه صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- عن بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر الناس في سفره عام الفتح، وكانت العدة عشرة آلاف، النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج بعشرة آلاف من المدينة إلى مكة للفتح، وقيل: هم اثني عشر ألفاً، وجُمع بين القولين بأن الذين خرجوا معه من المدينة عشرة، ثم لحق به من خارج المدينة تكملة العدة.