أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر، وقال:((تقووا لعدوكم)) هذا تعليل للأمر بالفطر؛ لأن فيه التقوي على العدو، لا سيما مع السفر؛ هذه العلة المنصوصة لا شك أنها معتبرة وجوداً وعدماً، فإذا كان عدم فطرهم أنشط لهم وأقوى لهم على سرعة الجري والكر والفر هذه مسألة أخرى، ولا تطرد هذه العلة في غير هذا الموضع ((تقووا لعدوكم)) لوجود عدو؛ لكن قد يقول قائل: إذا كان الفطر يتقوى به الطالب مثلاً في دراسته أو يتقوى به العامل في عمله، كما أفتى بعض الناس بمن يشق عليه الصوم أثناء العمل أو أثناء الدراسة يفطر ليتقوى بعمله؛ لأن العمل متعدي النفع، وهذا قاصر إلى غير ذلك من التعليلات؛ لكن هذه الأقاويل لا عبرة بها؛ لأن صوم رمضان فريضة، وركن من أركان الإسلام، لا تنتهك هذه الفريضة بمثل هذه الأعذار، فالتقوي إنما هو على العدو، وهنا في السفر أيضاً؛ لكن لو دهم العدو بلداً من بلدان المسلمين، وأرادوا الدفاع عن بلدهم، وهم صيام فشق عليهم ذلك قلنا: التقوي بالفطر على العدو منصوص عليه؛ لكن لا بد أن يكون لهذا الفطر أثر في صد العدو بأن يكون الصيام يضعف المسلمين عن صد عدوهم، ويمكن العدو من الاستيلاء عليهم، يتقووا على عدوهم؛ لأن العلة منصوصة، نعم الوصف مؤثر وهو السفر؛ لكن السفر وصف مؤثر مبيح للفطر، ولو لم يوجد عدو، فدل على أن التقوي بالإفطار على العدو قدر زائد على مجرد السفر، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ الآن عندنا وصفان في الحديث، وكلاهما مؤثر، وصف السفر هم مسافرون، الوصف الثاني:((تقووا لعدوكم)) وهذه علة تستقل بالحكم إذا وجد العدو، فعلى هذا يفطر المسلم ولو كان بالحضر إذا كان بمواجهة عدو، يريد أن يستولي على بلده، أو ما أشبه ذلك، فإنه حينئذ يفطر ليتقوى عليه، وأما السفر لا شك أنه وصف معتبر ومؤثر؛ لكنه مؤثر وحده، بدليل النصوص الأخرى ليس فيها عدو ومع ذلك أفطروا.
وصام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأخذ منه الصوم في السفر، وأنه أفضل من الفطر؛ لأنه فعله -عليه الصلاة والسلام- أمرهم بالفطر وصام، ويشمله عموم قوله -جل وعلا-: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} [(١٨٤) سورة البقرة].