قال أبو بكر بن عبد الرحمن: قال الذي حدثني، هذا أيضاً مبهم لكنه موصوف بأنه صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي حدثه في مطلع الكلام، قال الذي حدثني: لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعرج، العرج بإسكان الراء قرية على نحو ثلاث مراحل من المدينة، يصب الماء على رأسه من العطش أو من الحر، يصب على رأسه من العطش أو من الحر، (أو) هذه للشك هل كان الصب من أجل الحر للتبريد؟ أو هو من أجل العطش؟ ولا شك أن البرودة تكسر شدة العطش، وإن كانت خارجية، ثم قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يا رسول الله: إن طائفة من الناس قد صاموا حين صمت؛ لأنهم فهموا أن أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالفطر أمر إرشاد لا أمر وجوب، بدليل أنه استمر صائم -عليه الصلاة والسلام- قال: فلما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالقديد دعا بقدح من ماء فشرب، فأفطر الناس، ولذا ينبغي أن يقرن القول بالعم من أجل الاقتداء، فالذي يصدر الأوامر، ويصدر الأنظمة، ثم يخالف هذه الأوامر، وهذه الأنظمة لا شك أن غيره سوف يخالف.
النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أمرهم بحلق رؤوسهم زمن الحديبية ترددوا، ودخل على أم سلمة وشكا إليها ما حصل من عدم امتثالهم لأمره -عليه الصلاة والسلام-، فقالت:"احلق رأسك" فحلق النبي -عليه الصلاة والسلام- رأسه، فكادوا أن يقتتلوا، بادروا إلى الحلق، وهنا لما أفطر -عليه الصلاة والسلام- أفطر الناس، يؤخذ من هذا أن مبادرة الآمر لا شك أن لها أثراً في تمام الإتساء والاقتداء، ومثل هذا لا يظن بهم أنهم خالفوا أمره معاندة، إنما خالفوا أمره رغبة في الخير؛ لأن الصيام من أفضل الأعمال، وظنوا أن هذا الأمر الذي وجهه إليهم -عليه الصلاة والسلام- إنما هو من أجل الرأفة بهم، وإن كان الأفضل الاستمرار على الصيام، فرأوا الأخذ بالعزيمة؛ لكن لما أفطر تظافر القول والفعل منه -عليه الصلاة والسلام-، فلم يكن لهم مندوحة حينئذ من الفطر، فأفطر الناس.