"حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن رجلاً قال لعبد الله بن عباس: إني طلقت امرأتي مائة تطليقة" يُصنع هذا بل أكثر "مائة تطليقة فماذا ترى علي؟ " الثلاث تبينها "فقال له ابن عباس: "طلقت منك لثلاث" يعني بانت منك لثلاث "وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزواً" هذا من التلاعب بآيات الله، والذي يظهر أن تطليقه المائة بلفظ واحد، وهو الذي أجراه عمر على الناس لما تساهلوا وتلاعبوا بكتاب الله، وكان الثلاث في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر واحدة رجعية، لكنه لما رأى الناس استعجلوا في أمر جعل الله لهم فيه سعة، وهذا لا شك أنه من التلاعب، والله -جل وعلا- يجعل لك فسحة واختيار وفرصة تتأمل وتراجع نفسك ثم تلغي أنت بنفسك هذه الفسحة، يعني كمن ألغى خيار المجلس، تعاقد اثنان على شراء سلعة وبيعها، واحد يبيع وواحد يشتري، فاتفقا على أن لا خيار للمجلس، اتفقا على أمر جعل الله لهما فيه فسحة، فيجرى عليهما، ومن هذه الحيثية مع أن عمر -رضي الله عنه- أراد أن يعزر من فعل هذا الفعل لأنه بدعة فأوقع الثلاث، وعمل به جماهير أهل العلم، فالأئمة كلهم على أن الثلاث ولو كانت مجموعة بلفظ واحد أو بألفاظ بمجلس أو مجالس، ولو لم يتخللها رجعة، يوقعون الثلاث.
وقال بمقتضى المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو أن الثلاث واحدة إذا لم يتخللها رجعة، قال به شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن يرى رأيه، وعليه الفتوى؛ لأن الثلاث طلاق بدعي، و ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)).
"فقال ابن عباس: "طلقت منك لثلاث، وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزواً" كم من شخص يستهزئ بآيات الله، يجعل سوطه في بيته، وخارج بيته الطلاق، فإذا اختصم مع زوجته طلق، إذا اختصم مع جاره طلق، إذا اختصم مع شريكه طلق، في كل مجال يطلق، هذا تلاعب بكتاب الله، فمثل هذا لو عزر بوقوع الطلاق، كما فعل عمر لما بعد، والمسألة خلافية، ومن قال بوقوعها عمل بحكم عمر -رضي الله عنه-، وهو خليفة راشد أمرنا بالاقتداء به.