للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: "وحدثني عن مالك عن ثور بن زيد الديلي أن الرجل كان يطلق امرأته ثم يراجعها ولا حاجة له بها، وإنما من أجل الإضرار بها، ولا يريد إمساكها كيما يطول بذلك عليها العدة ليضارها، فأنزل الله -تبارك وتعالى-: {وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [(٢٣١) سورة البقرة] يعظهم الله بذلك" أنه إذا أراد الرجعة والإمساك أن يكون عن رغبة لا عن إضرار.

قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار سئلا عن طلاق السكران فقالا: إذا طلق السكران جاز طلاقه وإن قتل قتل به".

"قال مالك: وعلى ذلك الأمر عندنا" السكران لا شك أنه لا يعقل، والعقل مناط التكليف، فالمجنون لا يقع طلاقه، فهل في حكمه السكران؟، بينهما وجه من الشبه وبينهما شيء من الافتراق، فوجه الشبه بين السكران، والمجنون كلاهما لا يدري ما يقول، لا يعي ما يقول، كلاهما لا يعي، فهو من هذه الحيثية مثله، لكن الفرق بينهما أن المجنون لم يكن سبباً في جنونه بخلاف السكران، هو المتسبب في إزالة عقله، فإيقاع الطلاق عليه إيقاع الطلاق بالنسبة للسكران من باب التشديد في العقوبة عليه، باعتبار أن هذا الأمر هو الذي ارتضاه فيتحمل تبعته، ومن باب ربط الأسباب بالمسببات، فما دام هو المتسبب يتحمل ما ترتب على هذا السبب من أثر.

الجمهور من الفقهاء يوقعون طلاق السكران، وقال قوم: لا يقع، وهؤلاء منهم المزني وبعض أصحاب الشافعي وداود وأبو ثور وإسحاق، والسبب في ذلك، سببه اختلافهم هل حكمه حكم المجنون أو بينهما فرق؟ فمن أوقعه قال: إنه هو الذي أدخل الفساد على عقله فيوقع تغليظاً عليه، ومن لم يوقعه قال: إن العقل شرط التكليف، وجاء عن عثمان -رضي الله عنه- أنه لا يرى طلاق السكران، وزعم بعضهم أنه لا مخالف له من الصحابة.