القول الثاني الذي يبيح، الذي يجيز ذلك، وأن يكون من باب ضع وتعجل، وهذا جائز عند جمع من أهل العلم، وأنه فيه فائدة للطرفين، وليس فيه زيادة؛ لأن الربا عبارة عن الزيادة، أما هذا نقيض الربا، فيه التخفيف على المدين، وفيه قضاء حاجة الدائن، فلا مشابهة له فيه للربا، لا مشابهة للربا من وجه؛ لأن الربا الزيادة وهذا نقص، والمحظور الزيادة.
يعني لو قال: أنا أسافر الآن وبقي على حلول الأجل ستة أشهر، وسوف أحضر بعد سنة، وبدلاً من أن تكون مائة إلى ستة أشهر نجعلها مائة وعشرين لمدة سنة إلى أن أحضر، هذا الربا بعينه، لكن يقول: ثمانين وعجلوا، هذا ضد الربا.
"وحدثني مالك عن عثمان بن حفص بن خلدة عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أنه سئل عن الرجل يكون له الدين على الرجل إلى أجل فيضع عنه صاحب الحق ويعجله الآخر، فكره ذلك عبد الله بن عمر، ونهى عنه".
يعني تيسر المال بيد المدين، وأراد أن يبرئ ذمته، هل يدفع الدين كامل، أو بدلاً من أن ينتظر الدائن يضع من الدين ما يقابل هذه المدة؟ ابن عمر كره ذلك، ونهى عنه، فعليه إذا أراد أن يبرئ ذمته أن يدفع الدين كامل، المائة كاملة، ولا يضع منها شيء.
"وحدثني مالك عن زيد بن أسلم أنه قال: كان الربا في الجاهلية أن يكون للرجل على الرجل الحق إلى أجل فإذا حل الأجل قال: أتقضي أم تربي؟ فإن قضاه أخذ، وإلا زاده في حقه، وأخر عنه في الأجل".
باعه مائة إلى سنة، ثم حلت السنة، وما وجدت المائة، قال: مائة وخمسين لسنة ثانية، ثم جاءت السنة الثانية ما وجدت، قال: إلى مائتين في السنة ... ، هذا ربا الجاهلية.
"قال مالك: والأمر المكروه الذي لا اختلاف فيه عندنا أن يكون للرجل على الرجل الدين إلى أجل، فيضع عنه الطالب، ويعجله المطلوب، وذلك عندنا بمنزلة الذي يؤخر دينه بعد محله عن غريمه، ويزيده الغريم في حقه" فهذا الربا بعينه لا شك فيه، الصورة الثانية لا شك أنها ربا، وهي ربا الجاهلية، أما الصورة الأولى وهي ضع وتعجل، والتخفيف على الطرفين، وكل منهما مستفيد، وليس فيه ضرر على أحد، وفيه ما يضاد الربا من النقص، والربا معروف أنه الزيادة، فوجهة نظر من يقول بالجواز ظاهرة.