ثم بعد ذلك ينظر في الشخص نفسه بعض الناس الفتوى أفضل له من القضاء، والعكس، ورغم ما جاء في التنفير من القضاء والتحذير منه وأنه مزلة أيضاً جاء الترغيب فيه، ولذا الباب الأول باب الترغيب في القضاء بالحق، والقضاة ثلاثة واحد في الجنة، ولا شك أنه أعني تعيين القاضي والقضاء فرض كفاية على الأمة، فالذي يقوم به ويسقط الفرض على الأمة من أهل العلم من يرى أن القيام بفرض الكفاية أفضل من القيام بفرض العين، فعلى هذا لو تعارض القضاء مع بر الوالدين مثلاً، هذا متعين عليه، لا سيما إذا لم يكن له أخ يقوم مقامه فهل القيام برعاية الوالدين وبرهما أفضل أو القضاء هذا فرض عين وهذا فرض كفاية؟ جماهير أهل العلم على أن فرض العين أفضل من فرض الكفاية، لماذا؟ لأن فرض العين متعين على الشخص بذاته، وفرض الكفاية مشاع في الأمة، والأمر المشاع أمره أخف من الأمر المتعين، ولذا دلالة العموم أضعف من دلالة الخصوص؛ لأن العموم مشاع في أفراد، والخصوص في الفرد نفسه، فالجمهور على أن فرض العين أفضل من فرض الكفاية، بل أوجب وألزم من فرض الكفاية.
ووالد إمام الحرمين الجويني يقول بأن فرض الكفاية أفضل من فرض العين؛ لأن فرض الكفاية فيه إسقاط الواجب عنه وعن غيره، وأما فرض العين فليس فيه إلا إسقاط الواجب والإثم عنه بمفرده، فعلى هذا القضاء فرض كفاية اتفاقاً، ولا بد من أن يوجد من يقضي بين الناس، ويحسم النزاع بينهم والخلاف، وهي وظيفة ولي الأمر، وقد قام بها الخلفاء في صدر الإسلام كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، قاموا بها، ثم بعد ذلك لما توسعت الأمور وكثرة التبعات صار ولي الأمر ينيب ويعين القضاة يقومون مقامه.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، أقول: لما توسعت الأمور واحتيج إلى التعيين والنيابة عن الإمام في هذا الباب ينيب.