"حدثني مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطاب خرج عليهم، فقال: إني وجدت من فلان ريح شراب، فزعم أنه شراب الطلاء" الطلاء يعني ما يعتصر من الفواكه، ثم يطبخ، حتى يغلظ، فمنه ما يصل إلى حد الإسكار إذا حبس بعد ذلك أياماً، ومنه ما لا يصل إلى حد الإسكار إذا شرب فوراً، إلا أنه قد يعالج بمواد تحفظه، وبطريقة تحفظه إلى أن يصل إلى حد الإسكار فيستمر الأيام الطوال والأشهر ولا يسكر، ولو كان في الأصل مسكراً، مثل عصير العنب إذا وضعت فيه المواد الحافظة، وأحكم تعليبه في المعلبات الموجودة الآن لا يسكر، وغيره من الفواكه، لكن لو لم يحكم غطاؤه، أو لم يوضع عليه بعض المواد التي تحفظه الأصل فيه أنه مسكر، ولذا جاء تحريم النبيذ، ولو لم يصل إلى حد الإسكار عند جمهور أهل العلم خلافاً لأبي حنيفة، هنا الطلاء يطبخ من العصير، عصير الفواكه، وأكثر ما يكون من التمر والعنب، سئل عنه فجاء بالقاعدة، الجواب القاعدة العامة بغض النظر عن المادة التي استخلص منها، وإن كان الحنفية يخصون الخمر حقيقة الخمر بالعنب، والجمهور ينظرون إلى القاعدة الشرعية وهي الإسكار، فالخمر ما أسكر، وغطى العقل سواءً كان من العنب أو من التمر أو من أي مادة كان، ولو كان غراء مثلاً، أو كان حشيش مثلاً، أو غير ذلك، فالحشيشة محرمة بالإجماع فيما نقله جمع من أهل العلم، ومنهم شيخ الإسلام، وليست مادتها من العنب.
قد يقول قائل: إن البنج مثلاً يغطي العقل، ويستعمل بين المسلمين من غير نكير؛ لماذا لا يرتب عليه الحد ويحرم ويمنع؟ ليس فيه نشوة ولا طرب، والحاجة داعية إليه، فهو إلى النوم أقرب، ولذلك هو جائز عند عامة أهل العلم.
"أنه أخبر أن عمر بن الخطاب خرج عليهم، فقال: إني وجدت من فلان ريح شراب، فزعم أنه شراب الطلاء، وأنا سائل" إيش؟ "وأنا سائل عما شرب، فإن كان يسكر جلدته، فجلده عمر الحد تاماً" لأنه وجد يسكر، فالمدار كله على الإسكار، العلة المؤثرة هي الإسكار، وهو تغطية العقل، فإذا وجد بأي مادة كانت.