"أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:((ردوا المسكين)) " يعني إذا جاء يسأل ((ردوا المسكين)) وفي الحديث السابق ((ليس المسكين بهذا الطواف)) قالوا: فما المسكين يا رسول الله؟ قال:((الذي لا يجد، ولا يقوم فيسأل الناس)) وهنا في الحديث: ((ردوا المسكين ولو بظلف محرق)) أو محرَّق، فهذا يسأل الناس، وهو مسكين، والمسكنة نفيت عن السابق "ليس المسكين بالذي يتعرض الناس، ويقوم ويسألهم، إنما المسكين الذي لا يقوم فيسأل الناس" فالمسكنة المنفية هي المسكنة الحقيقية الخاصة، وإن كان الجميع يجتمعون في المسكنة، كلهم مساكين؛ لأنهم لا يجدون ما يكفيهم؛ إنما المسكين الذي هو أولى بهذا الوصف، وأدخل فيه، وأولى الناس بأن يتصدق عليه، هو الذي لا يتعرض للناس، لكن الذي يتعرض للناس ويسألهم هذا يرد ولو بالقليل، ((ولو بظلف محرق)) هذه مبالغة في قلة ما يدفع به هذا السؤال، والمسكين الذي يسأل لا سيما في المجامع العامة كالمساجد بعض الناس، بعض المساكين، وبعض الفقراء يطيل السؤال، ويشغل الناس، ويلهيهم عن أذكارهم، ويسيء إليهم، وقد لا تكون الحاجة داعية إلى مثل هذا، وبعض المساكين أقل من هذا بكثير، ومع ذلك تجد إمام المسجد يتصدى له، ويمنع من الصدقة عليه، وأنه إذا منع أن يسأل الضالة وهي من حقه وكانت له فلئن يمنع من يسأل غير حقه من باب أولى، فالمسألة تحتاج إلى توسط وتوازن، لا يترك المجال بحيث تكون المساجد مسرحاً للسؤال، الذين يسألون الناس، وتقطع أذكار الناس بهذا، ويشوش عليهم، بعضهم يؤذي المصلي، بعضهم يكون فيه شيء من نقص العقل، قد يتعرض لأذى من لا يعطيه، وهذا وجد، ومع ذلك التوسط في الأمور كلها {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [(١٠) سورة الضحى] لا نقول: يمنع بالكلية ولا ينهر، إنما يشار عليه أن يجلس في مكان يعرف أنه محتاج فيتصدق عليه، والتثبت عند الشك أيضاً مطلوب، بعض الناس يظهر عليه علامات الصدق، وبعض الناس يظهر عليه علامات عدم الصدق، وبعض الناس يشك في أمره، فمثل هذا لا بد من التثبت فيه.