للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقالت طائفة أخرى: معنى الحديث إخباره -صلى الله عليه وسلم- عن الأسباب المثيرة للطيرة الكامنة في الغرائز، يعنى أن المثير للطيرة في غرائز الناس هي هذه الثلاثة، فأخبرنا بهذا لنأخذ الحذر منها، فقال: ((الشؤم في الدار والمرأة والفرس)) أي: إن الحوادث التي تكثر مع هذه الأشياء والمصائب التي تتوالى عندها تدعو الناس إلى التشاؤم بها، فقال: الشؤم فيها، أي: أن الله قد يقدره فيها على قوم دون قوم، فخاطبهم -صلى الله عليه وسلم- بذلك لما استقر عندهم منه -صلى الله عليه وسلم- من إبطال الطيرة وإنكار العدوى، ولذلك لم يستفهموا في ذلك عن معنى ما أراده -صلى الله عليه وسلم-، كما تقدم لهم في قوله: ((لا يورد الممرض على المصح)) ...

يعني صاحب الإبل المريضة على صاحب الإبل السليمة.

((لا يورد الممرض على المصح)) فقالوا عنده: وما ذاك يا رسول الله؟ فأخبرهم أنه خاف في ذلك الأذى الذي يدخله الممرض على المصح لا العدوى؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- أمر بالتوادد، وإدخال السرور بين المؤمنين، وحسن التجاوز، ونهى عن التقاطع والتباغض والأذى، فمن اعتقد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نسب الطيرة والشؤم إلى شيء من الأشياء على سبيل إنه مؤثر بذلك دون الله فقد أعظم الفرية على الله وعلى رسوله، وضل ضلالاً بعيداً.

والنبي -صلى الله عليه وسلم- ابتدأهم بنفي الطيرة والعدوى، ثم قال: ((الشؤم في ثلاثة)) قطعاً لتوهم المنفية في الثلاثة التي أخبر أن الشؤم يكون فيها، فقال: ((لا عدوى ولا طيرة، والشؤم في ثلاثة)) فابتدأهم بالمؤخر من الخبر تعجيلاً لهم بالإخبار بفساد العدوى والطيرة المتوهمة من قوله: ((الشؤم في ثلاثة)) وبالجملة فإخباره -صلى الله عليه وسلم- بالشؤم أنه يكون في هذه الثلاثة ليس فيه إثبات الطيرة التي نفاها.

فيكون من باب الإخبار بالواقع، لا الإخبار عن حكم شرعي؛ لأن الحكم الشرعي فيه النفي، نعم.

أحسن الله إليك.