يعني يعاقب بهذه الابتلاءات بسبب تشاؤمه، نعم.
أحسن الله إليك.
فيكون شؤمها عليه، ومن توكل على الله ولم يتشاءم ولم يتطير لم تكن مشؤمة عليه.
يعني مثل العين، الذي يخاف منها ويهابها أكثر من يصاب بها، والذي يتوكل على الله -جل وعلا-، ويقوى قلبه لمدافتها هذا لا تضره بإذن الله.
قالوا: ويدل عليه حديث أنس: "الطيرة على من تطير" وقد يجعل الله سبحانه تطير العبد وتشاؤمه سبباً لحلول المكروه به، كما يجعل الثقة والتوكل عليه وإفراده بالخوف والرجاء من أعظم الأسباب التي يدفع بها الشر المتطير به.
وسر هذا أن الطيرة إنما تتضمن الشرك بالله تعالى، والخوف من غيره، وعدم التوكل عليه، والثقة به كان صاحبها غرضاً لسهام الشر والبلاء، فيتسرع نفوذها فيه؛ لأنه لم يتدرع من التوحيد والتوكل بجُنة واقية، وكل من خاف شيئاً غير الله سلط عليه، كما أن من أحب مع الله غيره عذب به، ومن رجا مع الله غيره خذل من جهته.
وهذه أمور تجربتها تكفي عن أدلتها، والنفس لا بد أن تتطير، ولكن المؤمن القوي الإيمان يدفع موجب تطيره بالتوكل على الله، فان من توكل على الله وحده كفاه من غيره، قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ* إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} [(٩٨ - ١٠٠) سورة النحل].
ولهذا قال ابن مسعود: وما منا إلا -يعني من يقارب التطير- ولكن الله يذهبه بالتوكل، ومن هذا قول زبان بن يسار.
زبَّان.
أحسن الله إليك.
ومن هذا قول زبَّان بن سيار:
أطار الطير إذ سرنا زياد ... لتخبرنا وما فيها خبيرُ
أقام كأن لقمان بن عاد ... أشار له بحكمته مشيرُ
تعلم أنه لا طير إلا ... على متطير وهو الثبورُ
بلى شيء يوافق بعض شيء ... أحاييناً وباطله كثيرُ
قالوا: فالشؤم الذي في الدار والمرأة والفرس قد يكون مخصوصاً بمن تشاءم بها وتطير، وأما من توكل على الله وخافه وحده ولم يتطير ولم يتشاءم فان الفرس والمرأة والدار لا يكون شؤماً في حقه.