"وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أنه قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن لبستين وعن بيعتين، عن الملامسة وعن المنابذة" يعني من باب اللف والنشر المشوش، يعني غير المرتب، ولو كان مرتباً لقدم اللبستين على البيعتين "عن لبستين وعن بيعتين" ثم أخذ يفصل وينشر المراد باللبستين وبالبيعتين، قدم نشر البيعتين مع تأخرهما في اللف على طريقة اللف والنشر المشوش، يعني غير المرتب، وهذا أسلوب معروف حتى في القرآن، وفي كلام العرب معروف {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} هذا لف، النشر {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ} [(١٠٦) سورة آل عمران] يعني غير مرتب، البيعتين هما الملامسة والمنابذة، الملامسة أي ثوب تلمسه فهو عليك بكذا، والمنابذة أي ثوب تنبذه أو أنبذه إليك، أو تنبذ إليه هذه الحصاة فيدخل في معنى بيع الحصاة، يتفق معه في هذه الصورة، فهي منابذة، إذا نبذ الحصاة منابذة، ويسمى أيضاً بيع الحصاة، ومنهم من يقول: إن الملامسة يعني في مكان مظلم فيه ثياب كثيرة، أي ثوب تلبسه فهو عليك بكذا، وأيضاً بيع المنابذة، أي ثوب تنبذه أو أنبذه إليك فهو عليك بكذا، أو علي بكذا من غير نظر فيه فيدخل فيه الغرر، السبب في النهي الغرر، لا سيما إذا كانت الثياب متفاوتة، ولا يفعل مثل هذا إلا إذا كانت متفاوتة، أما إذا كانت متساوية من مصنع واحد، وعلى طريقة واحدة ما يفعل مثل هذا.
ثم جاء إلى ذكر تفصيل اللبستين، اللبسة الأولى: "أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء" الاحتباء: رفع الساقين والفخذين، وليس عليه إلا ثوب واحد، وجاء النهي عن هذا الاحتباء إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد، فإنه تنكشف معه العورة غالباً، وعلى هذا ينزل ما جاء من النهي عن الاحتباء وقت الخطبة يوم الجمعة، وما جاء في جوازه على أن عليه ثوبين لا تنكشف معهما العورة.
"وعن أن يشتمل الرجل بالثوب الواحد على أحد شقيه" هذه يوردونها كما جاء في بعض النصوص عن اشتمال الصماء، يعني يلف بدنه بالثوب بحيث لو أراد إخراج يده لاتقاء شيء يؤذيه لما تمكن.