هؤلاء اللي هنا جهة خراسان الشمال الشرقي، فإذا اتجهوا إلى جهة مكة هذا الغرب وهذا الشرق جهتهم مقبولة، لكن يبقى أنه يكون فيها انحراف لو صلبوا إلى ما بين الجهتين بالنسبة لهم إذا قلنا على التحرير بين المشرق والمغرب تكون جهتهم هنا، لكن ليس فيه إشكال للتجوز، والحديث كله فيه تيسير على الأمة، إذ مفاده الاكتفاء بالجهة، يمكن أن يقال لأهل المدينة: بين المشرق والمغرب قبلة ويراد بذلك عين الكعبة؟ نعم، لا يمكن، وهو ما يدل عليه قوله -جل وعلا-: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(١٤٤) سورة البقرة] والمراد بالشطر الجهة، وبهذا قال الجمهور، فالحديث دليل على أن الواجب استقبال الجهة لا العين في حق من تعذرت عليه العين، في حق من تعذرت عليه عين الكعبة، وقد ذهب إليه جمهور العلماء، ويؤيدهم قوله -جل وعلا-: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} [(١٤٤) سورة البقرة].
الشافعية عندهم أن الواجب استقبال العين عين الكعبة، لكن إن أريد به حقيقة القول لا شك أنه حرج، بل متعذر، استقبال العين عمن بعد عن البيت متعذر، الآن العمائر المحيطة بالحرم التي لا يمكن من خلالها رؤية البيت يصعب جداً أن يستقبل الإنسان عين الكعبة فضلاً عمن بعد في خارج مكة أو في الأمصار البعيدة كيف يقال: إن الواجب استقبال العين؟ هم يقولون بالتحري، تتحرى إصابة العين، فعلى هذا يكون الخلاف لفظي إلا أنه .. ، قول الشافعي يبعث على مزيد التحري، حتى قال قائلهم: إنه إذا لم يجزم بإصابة العين أو لم يغلب على ظنه إصابة العين يقسم الجهات يقسم الجهة، فيضع دائرة ويضع فيها خطوط متعارضة ويصلي في كل حقل إلى أن يصيب الكعبة، إلى أن يجزم أنه أصاب عين الكعبة، هل يرد الشرع بمثل هذا؟ الشرع المبني على التيسير مبني على هذا؟ أقول: يمكن أن يرد مثل هذا؟ لا، في مثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) تيسير للأمة، المقصود أن تقصد الجهة، وتجتهد وتتحرى.