للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وألهوهم، وعُبدت الأصنام، فوقع الشرك (١).

فكان هدفهم الأول في إحياء آثارهم أن يتذكروهم؛ فينشطوا ويزدادوا من الطاعات، وفعل الخيرات، لكن سرعان ما تحوّل إحياء آثارهم، والاهتمام بهم إلى تعظيم وتقديس، حتى غلوا وجاوزوا الحد في العناية، ووصلوا إلى التأليه والعبادة نسأل الله السلامة والعافية حتى حصلت النتيجة الوخيمة وهي الوقوع في الشرك؛ الذي كان سببه التدرج بالانحراف، والتهاون بوسائل الشرك وذرائعه.

فلما انتشر في الأرض الفساد، وعمّ البلاء بعبادة الأصنام، وشرع الناس بالضلال والغي، أرسل الله عبده ورسوله نوح يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وينهى عن عبادة ما سواه، وكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض (٢).

فكان نبي الله نوح أول رسول أرسله الله لإبطال الشرك، وإقامة الحجة على المشركين؛ لتذكيرهم بنعم الله ووجوب شكرها، ودلالتهم على سوء مغبة الشرك ولزوم التبري منه، ولكن القوم غلب عليهم هوى الشرك، ففقدوا رشدهم، ولم يفقهوا دعوة نبيّهم، واجتهدوا في الدفاع عن وثنيتهم بما هو خارج عن موضوع النزاع (٣).

كما قال الله حكاية عن قوم نوح : ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ *أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ *فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ *﴾ [هود]، فكانوا يردون دعوته بحجة أنه بشر، وأنه ما آمن به


(١) يُنظر: البداية والنهاية، لابن كثير (١/ ١١٩) وتيسير الكريم الرحمن (٨٨٩).
(٢) كما ثبت في الصحيحين في حديث الشفاعة الطويل، عن أبي هريرة مرفوعًا قال: « … فَيَأْتُونَ نُوحًا، فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وَسَمَّاكَ اللهُ عَبْدًا شَكُورًا … » أخرجه البخاري في صحيحه كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ﴾ (٤/ ١٣٤/ ح ٣٣٤٠).
(٣) يُنظر: رسالة الشرك ومظاهره، لمبارك الميلي (١/ ١١٢).

<<  <   >  >>