للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العلماء (١)، ولا تعارض في الجمع بين العذاب الحسي والمعنوي إذ الإصابة بالعذاب المعنوي يتبعه العذاب الحسي، سواء في الدنيا أو في الآخرة نسأل الله السلامة والعافية.

وأما من مرّ بهم غير قاصدٍ ديار المعذبين، فله أن يسلك طريقه بالعبور مسرعًا؛ باكيًا أو متباكيًا، خاشعًا خائفًا معتبرًا متعظًا، متذكرًا حالة الدنيا، وتقلبها بأهلها، وينظر عاقبة الأمم السابقة رُغم قوتهم إلا أنهم أُهلكوا بعذاب شديد قضى عليهم؛ وذلك بسبب كفرهم، وتكذيبهم، وطغيانهم (٢).

٢ جاء في الصحيحين عن ابن عمر أن النبي : «أَمَرَهُمْ أَنْ يُهَرِيقُوا ما اسْتَقَوْا، وَيَعْلِفُوا الإِبِلَ الْعَجِينَ، وأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنَ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ» (٣)، وجاء في رواية: «ثُمَّ ارْتَحَلَ حَتَّى نَزَلَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَتْ تَشْرَبُ مِنْهُ النَّاقَةُ … » (٤).

قول ابن عمر عن النبي : «ثم ارتحل» يدل على أنه نزل قريبًا من ديار المعذبين ومساكنهم، فلما رآهم يستقون من آبارها، نهاهم عن ذلك، ثم ارتحل إلى بئر الناقة، فالنبي كان على الطريق بجوارها (٥)،


(١) يُنظر: شرح السُّنَّة، للبغوي (١٤/ ٣٦٢)، المفاتيح في شرح المصابيح، للمُظْهِري (٥/ ٢٥٩)، وكذلك جاء عن الشيخ ابن عثيمين في موضع آخر الجمع بينهما. يُنظر: شرح رياض الصالحين، لابن عثيمين (٤/ ٥٧٨).
(٢) يُنظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع، لابن عثيمين (٧/ ٣١٥).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾ (٤/ ١٤٩/ ح ٣٣٧٩)، ومسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين. (٨/ ٢٢١/ ح ٢٩٨١) واللفظ لمسلم.
بئر الناقة: هي الآن مجهولة. كما علّق بذلك السفاريني على شيخ الإسلام ابن تيمية لما ذكر بئر الناقة وورود الحجاج عليها في زمنه قائلاً: هي الآن مجهولة، فقد سألت عنها لما مررنا بها في ذهابنا وإيابنا سنة حجنا، وهي سنة ١١٤٨ هـ فلم يخبرني بها أحد. يُنظر: شرح ثلاثيات الإمام أحمد (١/ ٥٢).
(٤) أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب التاريخ، ذكر البيان بأن المصطفى رحل من أرض ثمود كراهية الانتفاع بمائها (١٤/ ٨٣/ ح ٦٢٠٣)، صححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (٩/ ٤٤ - ٤٥/ ٦١٧٠).
(٥) يُنظر: تحذير الموحدين من تتبع آثار المشركين، لسعيد العمر (٥٤ - ٥٥).

<<  <   >  >>