للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم ينزل في ديار ثمود ألبته (١).

ومن جملة ما قاله العلماء تعليقًا على حديث رسول الله لما مرّ بديار ثمود، ونهيه للصحابة من دخول ديار المعذبين، منها ما يلي:

قال النووي (ت: ٦٧٦ هـ): فينبغي للمارّ في مثل هذه المواضع المراقبة والخوف والبكاء، والاعتبار بهم وبمصارعهم، وأن يستعيذ بالله من ذلك (٢).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: ٧٢٨ هـ): نهى النبي عن الدخول إلى مساكن المعذبين عمومًا، فإذا كان رسول الله نهى عن الصلاة في الأماكن الملعونة خصوصًا، ونهى عن الدخول إليها خصوصًا، وعمل بذلك خلفاؤه الراشدون وأصحابه مع أن الأصل في النهي التحريم والفساد، لم يبق للعدول عن ذلك بغير موجب وجه.

لا سيما والنهي هنا كان مؤكدًا، ولهذا لما عجنوا دقيقهم بماء آل ثمود أمرهم أن يعلفوه النواضح، ولا يطعموه، فأي تحريم أبين من هذا!

قوم مجاهدون في سبيل الله، في غزوة العسرة التي غلب عليهم فيها الحاجة، وهي غزوة تبوك، التي لم يكن يحصي عددهم فيها ديوان حافظ، وخرجوا في شدة من العيش، وقلة من المال، ومع هذا يأمرهم أن لا يأكلوا عجينهم الذي أعز أطعمتهم عندهم، فلو كان إلى الإباحة سبيل، لكان أولئك القوم أحق الناس بالإباحة فعُلم أن النهي عن الدخول والاستقاء كان نهي تحريم (٣).

وقال أيضًا : فإذا كان المكث في مواقع العذاب والدخول إليها لغير حاجة منهي عنه، فالصلاة بها أولى، ولا يقال فقد استثنى ما إذ كان الرجل باكيًا؛ لأن هذا الاستثناء من نفس الدخول فقط فأما المكث بها، والمقام والصلاة، فلم يُؤذن فيه، بدليل حديث علي (٤) ولأن مواضع السخط


(١) يُنظر: فتح الباري، لابن حجر (١/ ٥٣٠).
(٢) المنهاج شرح صحيح مسلم بن حجاج، للنووي (٩/ ٣٦٣).
(٣) يُنظر: شرح العمدة في الفقه، لشيخ الإسلام ابن تيمية (١/ ٥١٠).
(٤) عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْغِفَارِيِّ ، أَنَّ عَلِيًّا مَرَّ بِبَابِلَ وَهُوَ يَسِيرُ، فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ يُؤْذِنُهُ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ، فَلَمَّا بَرَزَ مِنْهَا أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: إِنَّ حِبِّي نَهَانِي أَنْ أُصَلِّيَ فِي الْمَقْبَرَةِ، وَنَهَانِي أَنْ أُصَلِّيَ فِي أَرْضِ بَابِلَ فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ، أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب في المواضع التي لا تجوز فيها الصلاة (١/ ١٨٢/ ح ٤٩٠)، والبيهقي في سننه الكبير، كتاب الصلاة، باب من كره الصلاة في موضع الخسف والعذاب (٢/ ٤٥١ ح/ ٤٤٣٥)، درجة الحديث: في إسناده ضعف، ومجمع على ضعفه، يُنظر: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: (٥/ ٢٠٣)، فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن رجب: (٢/ ٤٣٢)، عون المعبود شرح سنن أبي داود: (١/ ١٨٣)، عمدة القاري شرح صحيح البخاري: (٤/ ١٨٩)، تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي: (١/ ٢٨٠).

<<  <   >  >>