قال: ومرَّ لهذا زمن طويل. وكان أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن يحيى الكاتب يهوَى قَيْنَةً، فكان يدعوها كل يوم جمعة، وكان لا يحتشِم أن يحدث أبا العباس أحمد بن يحيى بن محمد بن الفرات بحديثه معها. فحدثني زنجيٌّ أنه غدا يوم سبت إليه، فقال له أبو العباس: ما كان خبرُك مع صاحبتك أمس؟ قال: فحدَّثته باجتماعنا، فقال: فما كان صوتُك عليها؟ فقلت:
قايستُ بين جمالِها وفَعالها ... فإذا الملاحَة بالخيانَة لا تَفِي
واللهِ لا كلَّمتُها ولو انَّها ... كالشمس أو كالبدر أو كالمكتفي
قال: فقال: هذا لِمَنْ؟ قلتُ: لعبد الله بن المعتز. وركب إلى القاسم بن عبيد الله فحدثه بهذا، وأنشده إياه، وصار معه إلى الثُّريا، وانصرف عنه. فجلس في ديوانه فلما علم أنه قد قَرُب انصرافه خرج فتلقَّاه عند الحِيرَة، فلما لَقِيَه حدَّثه أنه أنشد المكتفي البيتين، وأنه سأل مَن قائلُ الشعر؟ فقال له: هو لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر. قال: فأمرني أن أحمل إليه ألف دينار، فقلت له: إنما أنشدتك هذا على أنه لعبد الله بن المعتز، فصُرِف إلى ابن طاهر. فقال: لا والله، ما وقع لي إلا أنه لعبيد الله بن طاهر، وهذا رزقٌ رزَقه الله إياه، فأَنفِذْه إليه.
قال زنجيٌّ: فلما انصرف أبو العباس حدثني الحديث وقال لي: خذْ أنت هذه الألف الدينار، وصِر بها إلى عبيد الله بن طاهر، وقل له: هذا رزقٌ رزقك الله إياه من حيث لم تحتسِبْه. فأَوصَله إليه، فشكرَ اللهَ تبارك وتعالى، وشكر أبا العباس. فقلت أنا لزنجيٍّ: ما رأيتُ أعجبَ مِن هذا، يعملُ هذا الشعرَ محمدُ بن السَّرِيّ السراج، ثم يكون سبب رزق لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر! فعجب من ذلك، وإنه لعجب!