واتفاق القول فيها، ثم يتفق إذا سأله عنها، فأوردَ عليه مسألةً ثانيةً ففعل [أبو] العباس فيها بنحوِ فعْله في المسألة الأولى، حتى والَى بين أربع عشرة مسألة، يجيب عن كل واحدة منها بما يُقنِع، ثم يفسد الجواب، ثم يعود غلى تصحيح القول الأول.
فلما رأى ذلك إبراهيم بن السَّرِيِّ قال لأصحابه: عُودوا إلى الشَّيخ، فلستُ مُفارِقًا هذا الرجلَ، ولا بدَّ لي من ملازمته. فعاتبه أصحابه وقالوا: تأخذ عن مجهول لا تعرف اسمه، وتَدَع مَن قد شُهِر علمُه وانتشر في الآفاق ذكرُه؟! فقال لهم: لستُ أقول بالذكر والخمول، ولكني أقول بالعلم والنظر. قال: فلزم أبا العباس، وسأله عن حاله، فأعلمه برغبته في النظر، وأنه قد حَبَس نفسه على ذلك إلَّا ما يَشْغلُه من صناعة الزُّجَاج في كل خمسة أيام من الشهر، فيتقوَّتُ بذلك الشهر كله. ثم أجْرى عليه في الشهر ثلاثين درهما، وأمره أبو العباس باطراح كتب الكوفيين، ولم يزل ملازمًا له، وآخذًا عنه، حتى برع من بين أصحابه. فكان أبو العباس لا يُقرئ أحدًا كتابَ سيبويه حتى يقرأه على إبراهيم ويصحح به كتابه. فكان ذلك أول رياسة أبي إسحاق.
وقرأ أبو العباس ثلث كتاب سيبويه على الجَرْمي، وتوفي الجرمي، فابتدأ قراءته على المازني.
وقال أبو علي: وسمع أبو العباس الكتاب من الجرمي، وعمله على المازني.
وكان مولد أبي العباس يوم الاثنين في ذي الحجة ليلة الأضحى سنة عشر ومئتين، وتوفي يوم الاثنين لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة ست وثمانين ومئتين.
[٣٧ - الباهلي]
هو أبو العلاء محمد بن أبي زُرعة، من أصحاب المازني. وقُتل ابنُ أبي زُرعة يوم دخول الداعي صاحب الزّنج البصرةَ، وذلك في سنة سبع وخمسين ومئتين.