هو أبو سعيد بن حرب بن غَوْرك. قال الحسن بن أبي سعيد البصري: كان يقال: إنه أعلم من المهري بالقرآن وبحدود النحو، وكان المهري أوسع منه رواية، وأعلم باللغة والشعر، وكان كثير الوقار، قليل الكلام؛ وكان يُنسَب من أجل ذلك إلى الكِبْر، وكان لا يُتبسَّم في مجلسه فضلًا عن أن يُضْحك.
حدثنا إسحاق بن خُنَيس قال: بينما نحن مع ابن غَوْرك في مجلسه، إذ أقبل إليه رجل زعم أنه أقبل من المشرق، فقال له: حركات الإعراب كم هي؟ فقال ابن غورك: ثلاث: الرفع، والنصب، والحفض. قال: بقي عليك، بل هي أربع. فقال له: وما الرابعة؟ قال: الخَضْخَضة. فقال له ابن غورك: ارفع زيدًا. قال: زيدٌ. قال: انصب زيدًا. قال: زيدًا. قال: اخفض زيدًا. قال: زيدٍ. قال: خَضْخِضْ زيدًا. قال: زَزَيْدٌ. فضحك وضحكنا، ثم ضحكنا كثيرًا، ولم يَنْهَنَا عن ذلك.
وكانت له أشعار كثيرة فصيحة.
[١٧٠ - أحمد بن أبي الأسود]
هو أحمد بن أبي الأسود النحوي، وكان غاية في علم النحو واللغة؛ وهو من أصحاب أبي الوليد المهري، وله أوضاع في النحو والغريب، ومؤلفات حسان. وكان شاعرًا مجيدًا، وكان قد عتب على ابن الزيدي بعد مودة وتواصل، فركب إليه ابن الزيدي، وسأله الرجعة إلى ما كان عليه، فلم يُجِبه، وكاتبه مرارًا. وجاء مرة رسوله ببطاقة، وعنده جماعة من طلاب الأدب، فلما قرأها مدَّ يده إلى القلم فأخذه وكتب إليه: أما بعد؛ فإن طول السواد يورث الملال، وقلة غشيان الناس أفضلُ؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا". وللقلوب نَبْوة، فإن أكرِهَتْ لم يكن لما يتولَّد منها لذّة،