أن تعلم أنَّ هاهنا أشياء كثيرة قد بقيتْ عليكَ. فاعتذرتُ ووعدتُه بالرجوع إلى ما تعوَّده مني.
ولم يذكر عن المبرّد فيها جوابًا، وسألني عنه فقلتُ: الجوابُ -والله أعلم- أنه يقع الحسدُ مِن نَفْس الإنسان، ومن أجل غيره بأن يبعثَه عليه، ويزيِّنه له. فمعنى قول الله -سبحانه وتعالى- عَلَى أنَّ هذه الطائفة لم يَدْخل عليها الحسدُ من خارج، وإنما هو شيء مِن عند أنفسهم، فقامت الفائدة، وحسن أن يقال:{مِن عندِ أنفسِهم}؛ لئلا يدخل الضرب الآخر فيه، والله أعلم.
وتوفي الزجاج ببغداد سنة ست عشرة وثلاثمئة، وقد أناف على الثمانين.
[٣٩ - محمد بن السراج]
هو أبو بكر محمد بن السَّرِيِّ السَّراج، وله كتب في النحو مفيدة، منها كتاب في أصول النحو، هو غاية من الشرف والفائدة، ومنها كتابه في مختصر النحو، اختصر فيه أصول العربية، وجمع مقاييسها.
وكان أبو بكر محمد بن السري أديبًا شاعرًا، وكان يُحبُّ أمَّ ولدِه، وكانت في القِيان، فأنفق عليها مالَه، وتهيأ أن قَدِم المكتفي من الرَّقة في الوقت الذي وَلِيَ الخلافة.
قال الأوارجي الكاتب: فجلستُ أنا وابن السراج في رَوْشَنٍ، فلما وافى المكتفي به في الماء استحسنَّاه، وكانت هذه الجاريةُ قد جَفَتْ أبا بكر، فقال: قد حضرني شيء، فاكتبه، فكتبته، وهو:
قايستُ بين جمالِها وفَعالها ... فإذا الخيانَة بالملاحَةِ لا تَفِي
واللهِ لا كلَّمتُها ولو انَّها ... كالشمس أو كالبدر أو كالمكتفي