دقيق النظر في العربية، ذكيًّا فهمًا، بصيرًا بالعروض، حاذقًا بعلم الحساب.
وتوفي حَدَثًا ابن اثنتين وعشرين سنة، وذلك سنة ثمان وثلاثين وثلاثمئة.
[٢٩٦ - محمد بن يحيى الرباحي]
هو أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد السلام الأزدي، كان ينتمي إلى يزيد بن المهلب بن أبي صفرة، وأصله من جيان، وهنالك نزالة جده الداخل أبي العوجاء المنسوب إليه الفحص المعروف بفحص أبي العوجاء، وانتقل أبوه أو جده إلى قلعة رباح فسكنها فنسب إليها، وكان حاذقًا بعلم العربية، دقيق النظر فيها، لطيف المسلك في معانيها، غاية في الإبداع والاستنباط، ولم يكن ظاهره ينبئ عن كثير علم، فإذا فوتش ونوظر لم يُصْطَلَ بناره، ولم يشقَّ أحدٌ غُبارَه، وكان قد طالع كتب أهل الكلام، وتفنن فيها، ونظر في المنطقيات فأحكمها، إلا أنه لا يتقلد مذهبًا من مذاهب المتكلمين، ولا يعول أصلًا من أصولهم، إنما يعول على ما يميل إليه في الوقت، ويؤثره بالحضرة، ولو أنه تناول الباطل البحت، والمحال المحض، لما استطيع صرفه عنه، ولا قطع حجته فيه، وربما ناظر أهل الفقه على مذهب الاحتجاج والتعليل، وأهل الطب والتنجيم في دقائق معانيهم ولطائف مسائلهم، مناظرة من عني الدهر الطويل بعلمهم، وشغل نفسه بمدارسة كتبهم، فيقطعهم ويستشرف عليهم؛ وذلك للطف حسه، وصحة خاطره، وحذقه بإعمال القياس على أصله، وكان قليل المعاناة لدراسة الكتب ومطالعة المسائل، إنما دأبه الغوص على دقيقة يستخرجها، ولطيفة يثيرها، وقياس يمده، وأصل يفرعه، فربما اختل في حفظه، وأدرك في سواد كتابه.