في ثعلب، وصَرف هارون، واحتبس الزجاج مكايدةً لثعلب، حتى بلَّغه أفضلَ مبالغ النحويين.
وجواب هذه المسألة: ضربتُه إيَّاه. وهذا من أول النحو؛ وما كان هارونُ لِيذهبَ عليه ذلك؛ ولكنْ إذا أرادَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- أمرًا فلا بدَّ له؛ وكان سبب مَنِيَّتِه ما جرى له في هذا المجلس.
قال: وحضر هارون بن الحائك الضرير يومًا من أيام الجمعة في الجامع الغربيِّ بمدينة السلام، فأتاه ضريرٌ بصريٌّ يسألُه عن مسألةٍ، فأجابه هارون فيها على مذهب أهل الكوفة، فقال له البصريُّ: أخطأتَ. فضربه بعُكَّازِه فأدماه، فاستغاث الضريرُ البصريُّ بالسلطان، فأتاه بشُرطِيٍّ فقبض عليه، وصار به إلى مجلس المُجاشعيِّ صاحب الشرطة، وكان قد استخلف على الشرطة رجلًا من العجم، فقال له: ما تقول؟ فقال: كنتُ جالسًا أُفتِي الناس في علوم القراءات والنحو واللغة، فأتاني ضريرٌ سيِّئُ الأدب، فسألني عن مسألةٍ فأجبتُه عنها، فتجهَّم لي الجوابَ بالتخطئة، فأدَّبتُه مُجازاةً له على سُوءِ فعله. فبينا أنا على حالتي إذْ أتاني آتٍ فقال: السلطان يَدْعوك. فقال له العجميُّ: أنت يابن الزانية ضربتَني مرَّةً! ودعا له بالدّرّة فضربه بها ثلاثين، وحَبَسَه؛ فلما وقف المجاشعيُّ على خبرِه أطلقه، وأنكر على العجميِّ ما كان منه.
[٧٦ - أبو موسى الحامض]
هو أبو موسى محمد بن سليمان. وكان بارعًا في اللغة والنحو على مذهب الكوفيين، وكان في اللغة أبرعَ، وكان ضَيِّق الصَّدر سيِّئَ الخلق.
قال أبو عليٍّ إسماعيلُ بن القاسم البغداذيُّ: حدثني بعضُ أصحابنا قال: لمَّا توفي أبو العباس أحمد بن يحيى تقدَّم أبو موسى الحامض ليصلِّيَ عليه، فجذَبه ابنُ الحائك، وقال: أنت رجلٌ شَرِس، ومثلُك لا يصلح أن يُصلِّيَ على أبي العباس.