هو هارون بن الحائك، وكان ضريرًا. قال هارون بن عبد العزيز الأوارجي الكاتب: حضر وليُّ الدولة أبو الحسين القاسم بن عبيد الله، ومحمد بن الحسين، وأبو الأسود الدِّينَوَرِيّ مجلسَ ثعلب، وكان في المجلس رجل مأفون، فاستحضروه وقالوا له: سل الشيخ عن قول الشاعر:
ألا يا ديْرَ درمالينْ ... سبيْت النَّفر الباسين
فإنَّ له معنى دقيقًا، فقام إلى أبي العباس فقال له: يا أبا العباس، مسألة. فقال: هاتها. قال: ما تقولُ في قول الشاعر: ... ؟ وأنشده البيت، فأعرَض عنه، فأمَره بمعاودته مرَّة أخرى، ففعل ذلك ثلاثَ مرات. ورآهم ثعلب يَضْحكون به، فغَضِب وطردهم من مجلسه، واستخفَّ بهم، وانصرفوا إلى عبيد الله بن سليمان وهو حينئذ منكوب، فأخبروه بما جَرى من الاستخفاف، فأقلقه، واعتقد لأبي العباس ثعلب سوءًا، فلما وَلِيَ الوزارة وجَّه إليه في الاختلاف إلى ولدِه، فأبى، فقال: تُنْفِذُ إليَّ بعضَ أصحابك. فوجَّه إليه بهارون بن الحائك الضَّرير، وكان يُوزَن بميزانِ ثعلبٍ في النحو، واستحضر عبيدُ الله بن سليمان الزَّجاجَ وقال لهما: أريدُ أن أَصطفيَ أفضلَكما في العلم، فتساءلا. فقال الزجاج لهارون: كيف تقولُ: "ضربتُ زيدًا ضربًا"؟ فقال:"ضربتُ زيدًا ضربًا". فقال: كيف تُكنِّي عن زيدٍ وعن الضرب! فأَقْحَمَه ولم يُجِبه وحار في يده، وانقطع انقطاعًا قبيحًا، فوجد عبيدُ الله بغيته، ونال محبَّتَه