هو المعروف بالبلوطي، مصنف الغريب، يكنى أبا القاسم، وكان متفننًا في ضروب العلوم، وكانت له رحلة لقي فيها جماعة من علماء اللغة والفقه، وجلب كتاب الإشراف في اختلاف العلماء رواية عن المؤلف محمد بن المنذر، وكتاب العين رواية عن أبي العباس بن ولاد، وكان يتفقه بفقه أبي سليمان داود القياسي الأصبهاني، ويؤثر مذهبه، ويحتج لمقالته، وكان جامعًا لكتبه، فإذا جلس مجلس الحكم قضى بمذهب مالك وأصحابه -رحمهم الله-.
وكان ذا علم بالقرآن، حافظًا لما قالت العلماء في تفسيره وأحكامه ووجوهه في حلاله وحرامه، كثير التلاوة له، حاضر الشاهد بآياته، له فيه كتب مفيدة؛ منها: كتاب الأحكام، وكتاب الناسخ والمنسوخ ... إلى سائر تآليفه في الفقه، والرد على أهل المذاهب.
وكان ذا علم بالجدل، حاذقًا فيه، شديد العارضة، حاضر الجواب، ثابت الحجة، وكان أخطب أهل زمانه غير مدافع، مع ثبات جنان، وجهارة صوت، وحسن ترسل، وكان ذا منظر نبيل، وخلق حميد، وتواضع لأهل الطلب، وانحطاط إليهم، وإقبال عليهم، وكانت فيه دعابة حسنة، وله خطب عجيبة، ورسائل بينة، وأشعار مطبوعة.
وقام بين يدي أمير المؤمنين الناصر لدين الله -رضي الله عنه- عند دخول رسول طاغية الروم عليه، والمجلس محتفل بأهل الخدمة وهم قيام على أقدامهم، فارتجل خطبة عجيبة، وذكر فيها حق الخلافة وفرض الطاعة، ووصلها بهذه الأبيات: