ودعا بالحداد فأمر بتقييده، فلما عمد قال له الوالي: لا بأس عليك! إنما أرادك الأمير أن تؤدِّب ولده. قال: فما بال القيد إذًا! فبقيت مثلًا بالبصرة، فلما أُتِي به يوسف بن عمر سأله عن الوديعة فأنكر، فأمر به فضُرِب بالسياط، فلما أخذه السوط جزع فقال: أيها الأمير، إنما كانت أثيَّابًا في أسَيْفَاط. فلافع الضرب عنه، ووكَّل به حتى أخذ الوديعة منه.
قال محمد: الأحْبَاء: جلساء الأمير، واحدهم: حبا وحبأ، مقصور مهموز.
قال علي بن محمد بن سليمان: قال أبي: فرأيته طول دهره يحمل في كمه خِرْقةً فيها سُكّر العُشَر والإجَّاص اليابس. وربما رأيتُه عندي وهو واقف عَلَيَّ، أو سائر، أو عند ولاة البصرة، فتصيبه نَهْكة على فؤاده يَخفِق حتى يكاد يُغْلَب، فيستغيث بإجاصة وسكَّرة يلقيهما في فيه، ثم يمصّهما. فإذا سَرَط من ذلك شيئًا سكن ما به، فسألته عن ذلك، فقال: أصابني هذا من الضرب الذي ضربني يوسف بن عمر، فتعالجتُ له بكل شيء، فلم أجد له شيئًا أصلح من هذا.
قال: وقلت له يومًا: خبرني عن هذا الذي وضعتَ، يدخل فيه كلام العرب كله؟ فقال: لا. قال: قلت: فمن تكلم بخلافك، واحتذى على ما كانت العرب تتكلم به، أتراه مخطئًا؟ قال: لا. قلتُ: فما ينفع كتابك!
وتوفي عيسى بن عمر سنة تسع وأربعين ومئة، قبل أبي عمرو بن العلاء بخمس سنين أو ست.
١٣ - مَسْلَمة بن عبد الله
هو مَسْلَمة بن عبد الله بن سعد بن محارب الفهري، مولى لهم. وكان ابنُ أبي إسحاق خاله، وكان حَمَّاد بن الزِّبْرقان ويونس يفضلانه.