تالله ما سيَّدتك العربُ إلَّا بحقِّك. فقال أبو الكوثر الخولاني -وكان حاضرًا-: يا أبا محمد، العلماء عندنا بالعربية يقولون:"سَوَّدتك". فقال: السَّواد: السُّخام، يخطئون ويصحفون! فانتهره إبراهيم وقال: تتسوَّر على الأعراب في لغاتهم! فكتب أبو الكوثر إلى يزيد بن طلحة بالخبر، فأجابه: المعروف: "سوَّدتك" بالواو، ولعلَّ ما ذكر أبو محمد لغةٌ لبني عامر. فلما وردتِ السِّحاءةُ على أبي الكوثر قال: يا أبا محمد، أنكر الأستاذُ ما ذكرتَ. وحكى له قوله، فصاح الأعرابي وهاج، وبعث إبراهيم في يزيد، فلما حضر خرج عليه فقال له: أتتسوَّر على الرجل في كلامه! فقال له ابن طلحة: إنَّ العلم ليس من جهة المغالبة، ولكن من جهة الإنصاف والحقيقة، فليُجِبْني أبو محمد عما أسأله عنه. فقال له: سل. فقال يزيد: كيف تقول العرب: ساد يسود، أو ساد يسيد؟ قال الأعرابي: ساد يسود. فقال يزيد: هذه الواو معنا في الفعل، فكيف تقول العرب: السُّودَدُ، أوِ السِّيدَدُ؟ فقال: السُّودَدُ. فقال يزيد: هذه الواو ثابتة في الاسم. ثم قال: أي منزلة عندكم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من الفصاحة؟ فقال الأعرابي: فوق كل منزلة. قال يزيد: فقد ثبت عندنا أنه قال: (تَفَقَّهُوا قَبلَ أَن تُسَوَّدُوا)، وهذا حديث لم يطعن فيه أحد من علماء اللغة، كما صنعوا في سائر الأحاديث التي وقع فيها الغلط. فلج الأعرابي وقال: يا أهل الأمصار، ماذا صنعتم بالكلام!
[٢٢١ - أبو صالح المعافري]
هو أيوب بن سليمان المعافري، وكان فقيهًا على مذهب مالك -رحمه الله-، وكان مُتفنِّنًا في النحو والشعر والعروض وضروب الآداب.
حدثني محمد بن عمر، حدثني أبو هارون فقيهُ نكور قال: قدم عليَّ أبو جعفر أحمد بن محمد بن هارون البغداذي عند دخوله الأندلس،