يا أبا الوليد؟ قال: إلى سوق الطعام، أشتري بهذين الدينارين قمحًا. فمد يده إلى صرَّة كانت في كمه، فدفعها إليه وقال: استعن بهذا -أصلحك الله- على شرائك للقمح. فأخذها ثم مضى غير بعيد وهو يظن أنها دراهم، ففتحها فإذا بها خمسون دينارًا، فانصرف إليه، فلما رآه تلقاه، فأخرج المهري الصرة فقال: أخافُ أن تكون غلِطتَ؛ إنها دنانير! فقال: ما غلِطتُ -أصلحك الله-، والله إني محتشم من التقصير.
وقال الداروني: ومشيتُ مع أبي الوليد المهري إلى أن مررنا بالجزارين، فقام إليه رجل منهم فقال: يا أبا الوليد، أضررتَ بي؛ لأن بضاعتي كلها عندك، ولا بد من قبض مالي قِبَلك. فاعتذر إليه، وسأله الصبر عليه، فأبى؛ ومر بنا رجل فقال للجزار: كم لك على الشيخ؟ فقال: عشرة دنانير. فقال: هي عليَّ، مُرَّ حتى أدفعها إليك. فمضى معه، وظننتُ أنه من إخوان المهري، وظن المهري أنه من أجلي فعل له ذلك. فلما صرنا إلى داره قال لي: مَن الرجل الذي ودى عني هذه الدنانير؟ قلت: ما أعرف، وما كنت أظن إلا أنك عارف به. قال: فسل عنه. فسألت، فإذا هو رُومِيٌّ مِن أهل العطارين، وكان الناس من تعظيم الأدب والعلم على خلاف ما هم اليوم.
وعُمِّر المهري عمرًا طويلًا، وتوفي يوم الجمعة لعشر خلون من رمضان سنة ثلاث وخمسين ومئتين.
[١٦٨ - محمد بن صدقة]
هو محمد بن صدقة المرادي الأطرابلسي. كان عالمًا باللغة، وكان يتقعر في كلامه ويتشادق. ودخل يومًا على أبي الأغلب بن أبي العباس بن إبراهيم بن الأغلب، وهو أمير أطرابُلُس، فتكلم وأغرب وجاوز المقدار، فقال له أبو الأغلب: أكان أبوك يتكلم بمثل هذا الكلام؟ فقال: نعم، أعز الله الأمير، وأُمِّيَه! يريد: وأُمِّي
أيضًا كانت تتكلم بمثل هذا. فقال أبو الأغلب: ما ننكر لله أن يُخرِجَ بغيضًا من بغيضين! وكان يقرض الشعر.