هو أبو محمد حسين بن محمد التميمي العنبري، ويعرف بابن أخت العاهة. والدَّارون منزلٌ لهم بعمل القيروان، وكان إمامًا في اللغة والعلم بالشعر، وقرئ عليه وسُمِع منه في حياة أبي محمد المكفوف النحوي، وكان مشغوفًا بديوان ذي الرُّمَّةِ، وكان أعلمَ الناس به وبغيره من دواوين الشعر، إلى معرفته بأخبار العرب وأنسابها وأيامها، وكان يتفقه بفقه الكوفيين، وكان معجبًا بعلمه ونسبه، شديدَ الافتخار به، يتجاوزُ فيه الحدَّ، ولا يحضرُ مجلسًا إلا فخر فيه بتميمٍ، ويُسرِف في ذلك حتى يُمَلَّ ويُنسَب إلى السُّخف.
أخبرني بعضُ مَن كان يُجالِسُه قال: كنتُ يومًا جالسًا معه في المسجد الذي يجلس فيه، وقوم يقرؤون عليه، إلى أن دخل رجل فسلَّم وسأله عن حاله، فذكر أنه قدِم من المشرق، فقال: أين بلغتَ؟ قال: البصرة. قال: كيف بنو تميمٍ هناك؟ قال: قومٌ حالُهم مثلُ حالِ غيرِهم، منهم قومٌ في البادية، ومَن كان بالبصرة فواحدٌ تاجر، وآخر صِنْعٌ، وبيَّاع، وعمَّال، وغير ذلك. فساءه ذلك وغمَّه وقال: إنا لله! صارت بنو تميم إلى هذه الحال! ووجم، وأمر الذين يقرؤون عليه أن ينصرفوا، ولم يُسمِعْهم ذلك اليوم شيئًا من الغمِّ مما أخبره.
وكان له بنات، فخطب إليه جماعةٌ من التجار وممن يتحرَّف، فامتنع من تزويجهن، وكان يمضي إلى البادية، فإذا وجد رجلًا غريبًا لا حُرْمَةَ له زوَّجه على أنه لا يعمل بيده شيئًا؛ لا يحرث، ولا يحصد، ويضمنُ القيام بمعيشته؛ حتى زوَّجهنَّ كلَّهنَّ على ذلك، فكثر عياله، وساءت حاله؛ لقيامه ببناته وأزواجهنَّ وأولادهنَّ، ولم يزل على ذلك حتى مات.
قال أبو علي: أتاني يومًا، فسألتُه عن حاله، فجعل يحدِّثني، وكأنه